الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَنْ والاه،
وبعدُ؛ فمن العجيبِ أنْ نقرأَ آياتِ القرآن، ونمرَّ على ما حَوَاه من قوانينِ اللهِ وسننِه النافذةِ في الكونِ مرورَ الكرامِ، مع أنَّه ﴿لَا مُبْدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ﴾ فِي وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ الَّتِي مِنْهَا وَعْدُهُ لِلرُّسُلِ وللمؤمنين بِالنَّصْرِ، وَتَوَعُّدُهُ لِأَعْدَائِهِمْ بالهزيمةِ وَالْخِذْلَانِ.
ومن ذلك أن تَجِدَ البعضَ تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الابتلاءِ وهم فِي غَفْلَةٍ عَنْهَا، وعَنِ انْطِبَاقِهِا عَلَى الْوَاقِعِ، حتى تستغرقَهم شِدَّةُ الابتلاءِ وظهورُ الباطلِ كالمنتصرِ أحيانًا، فيقولون: لو كان هذا حقًّا لنصرَه اللهُ! فَمَا أَجْهَلَهُمْ بِكِتَابِ اللهِ! وَمَا أَبْعَدَهُمْ عَنِ الْعِلْمِ بِسُنَنِ اللهِ الناطقةِ بأنَّ الابتلاءَ عنوانُ صحَّةِ الطريقِ، وإذا تمتْ مواجهتُه بالصبرِ وحُسْنِ التصرُّفِ انقلبَ عِزًّا ونصرًا مُبِينا.
فلْنَعِشْ مع بعضِ آياتِ القرآنِ التي تُطمئِنُ أهلَ الحقِّ أنَّ شِدَّتَهم إلى زوالٍ، وأنَّ الابتلاءَ الحاصلَ اليومَ مُفْضٍ لا محالةَ إلى نصرٍ عزيزٍ، قريبًا بإذن الله.
(1) المُدَاوَلَةُ سُنَّةُ اللهِ فَلا تَبْتَئِسْ مِنْ شِدَّةِ الابْتِلَاء
مهما تمكَّن الظالمون من أسبابِ القوَّةِ فإنَّ الاستمرارَ في الحراكِ الثوريِّ المبدِعِ المتوهِّجِ، ورَفْضَ باطلِهم، والإصرارَ على عدمِ شرعيَّتِهم، والصبرَ الجميلَ على إيذائِهم، سيُحقِّقُ غايتَه بإزْهاقِ الانقلابِ الدمويِّ الظالمِ بإذنِ الله ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ﴾.
فَمَنْ كَانَ أَصْبَرَ كَانَ أَجْدَرَ بِالنَّصْرِ، وسُنَّةُ اللهِ في الدعواتِ واحدةٌ: فئةٌ تتلقَّاها بالتكْذيبِ، وتتلقَّى أصحابَها بالأذى، وصبرٌ وجهادٌ متنوِّعٌ مناسبٌ من أهلِ الحقِّ، ثم نصرٌ في النهاية، في الموعدِ الذي سبق تقريرُه في علمِ الله، مهما دلَّتْ ظواهرُ الأمورِ على خلافِه ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾، فإذا اسْتَيْأَسَ أهلُ الإيمانِ، وظنَّ الغافِلون أَنَّ مَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ مِنْ نَصْرِهِ وهْمٌ خادعٌ؛ جَاء النَّصْرُ حِينَئِذٍ، مهما قلَّ العددُ وضعُفَت العُدَّة، فكَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ، وَالْعَدَدُ الْقَلِيلُ مِنْ أَهْلِ الْعَزَائِمِ يَفْعَلُ بعوْنِ الله مَا لَا يَفْعَلُ الْكَثِيرُ مِنْ المهزُومين المأْزُومين.
وهو نصرٌ عزيزٌ ممتدُّ الأثرِ لأجيالٍ تاليةٍ، بقدْرِ التضحياتِ النفيسةِ التي قُدِّمتْ لتحقيقِه.
(2) الابتلاءُ يُظْهِرُ المَعْدِنَ النَّفِيس
﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾، ففي أَتُونِ الفتنةِ ونارِ الابتلاءِ تحترقُ المعادِن المزيَّفة، وتزدادُ المعادنُ الأصيلةُ صلابةً ونَفَاسةً ولمعانًا، ويميزُ اللهُ الخبيثَ المتساقِطَ من الطيِّبِ الذي سيحملُ رسالةَ الحقِّ والخيرِ والعدلِ بحقِّها، وهذا أحدُ أهمِّ مكاسبِ الأمةِ من سُنَّة الابتلاءِ ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
فمع شِدَّةِ الابتلاءِ تُهْتَكُ الأستارُ، وتُكْشَفُ الخياناتُ، فيمتازُ المخلصون، وينكشِفُ المخادِعون، ويعرفُ النَّاسُ كلا الفريقينِ على حقيقتِه، وإن كان اللهُ يعلمُهم من قبل. ولئِنْ كنَّا نألَمُ من شِدَّةِ الابتلاءِ والمحنةِ فإنَّ أَلَمَنَا لَأَشَدُّ بما كشفتْ من زُيوفٍ، وبما أحرقتْ من رموزٍ وقاماتٍ طالما انخدَعَ النَّاسُ بها، ولكنه الخيرُ المطْوِيُّ في قلبِ المحنةِ؛ ليكونَ البناءُ من بعدُ خاليًا من الغشِّ.
رُبَّ أَمْرٍ نَتَّقِيهِ جَرَّ أَمْرًا نَرْتَجِيهِ
خَفِيَ الْمَكْرُوهُ مِنْهُ وَبَدَا الْمَحْبُوبُ فِيهِ
وكم سقطَ في المحنةِ من شخصياتٍ! لو أنَّ أحدًا كان أشارَ إلى خَلَلِها أو عِلَلِها لأُرْعِدَتْ لها أُنوفٌ صارت اليومَ تتبرَّأُ منها!.
وكم كشفت المحنةُ عن معادنَ نفيسةٍ كانت بصِدْقِها مغمورةً مطمورةً بعيدةً عن أضواءِ الإعلامِ! فأصبحتْ بثباتِها مِلْءَ القلوبِ قبلَ الأسماعِ والأبصارِ، إذْ عصمَها اللطيفُ من الفتنةِ بإخلاصِها ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، ومضتْ إرادةُ الله أن تمرَّ عليهِم الفتنُ الشديدةُ فيسْلَمُوا من آثارِها، وفي الحديث: «إِنَّ لِلَّهِ ضَنَائِنَ مِنْ خَلْقِهِ يُحْيِيهِمْ فِي عَافِيَةٍ، وَإِذَا تَوَفَّاهُمْ إِلَى جَنَّتِهِ، أُولَئِكَ الَّذِينَ تَمُرُّ عَلَيْهِمُ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، وَهُمْ فِيهَا فِي عَافِيَةٍ». فالشِّدَّةُ بحقٍّ خافضةٌ رافِعة.
(3) الدعوةُ تَعْلُو وَتَغْلُو وتَعِزُّ علَى أهلِها بقَدْرِ بذْلِهمْ وتضحِيَاتِهم
لا شكَّ عندَ أُولِي النُّهَي أنَّ الظالمينَ في قبضةِ الله ﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾، فهكذا مضتْ سُنَّةُ الله؛ لأنَّ النصرَ السهلَ بلا تكلفةٍ لا يصنعُ حملَةَ رسالةٍ، أمَّا النصرُ الذي بُذِلَتْ فيه الأرواحُ والنفائِسُ فإنَّ أصحابَه يكونون أشدَّ حفظًا له وحرصًا عليه.
إنَّ الصبرَ على الابتلاءاتِ والمقاومةَ للشدائدِ للباطلِ هي التي تستثيرُ القوى الكامنةَ وتُنَمِّيها وتُجَمِّعُها وتُوَجِّهُها، فتتأصَّلُ جذورُ الدعوة وتتعمَّقُ وتتصلُ بالفِطْرةِ السليمةِ، فتصنعَ الرَّوَاحِلَ التي تحمِلُ الأُمَّةَ والدعوةَ، وفي الصحيح: «إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً».
ما أيسرَ أنْ يتحدَّثَ البليغُ عن الصبرِ على الشدائدِ، وما أسهلَ أن يتوقَّعَ المتحمِّسُ الصمودَ للفتنةِ، غير أن ميدانَ القولِ والتوقُّعِ غيرُ ميدانِ الواقِعِ والجهادِ ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ. وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾.
إنه ليس بمجردِ التمَنِّي وإعلانِ الاستعدادِ يحصُلُ النصرُ، بل لا بُدَّ من الصبرِ على التكاليفِ المستمرَّةِ المتنوِّعَةِ التي لا تنتهي، من الاستقامةِ والجهادِ، والصبرِ على الضَّعْفِ الإنسانيِّ في النفسِ وفي الغير، والصبرِ على الفتراتِ التي يستَعْلِي فيها الباطلُ وينتفِشُ ويبدُو كالمنتصرِ، والصبرِ على طُولِ الطريقِ وبُعْدِ الشُّقَّةِ وكثرةِ العقباتِ، والصبرِ على وسوسةِ الراحةِ وهفْوةِ النفسِ لها في زحمةِ الجهادِ، في الطريقِ المحفوفِ بالمكارِه! وبهذا الصبرِ الإيجابيِّ الرائعِ ينفتِحُ الطريقُ إلى النصرِ المأمولِ، ولن يقدرَ على ذلك إلا الرَّوَاحلُ الذين ثَبَتُوا للشِّدَّةِ وعُصِمُوا من الفِتْنة.
(4) تجاوُزُ الابْتِلاءِ يكونُ بالصبرِ والتَّقْوَى واليَقِينِ بلقاءِ الله
إنها سنَّةُ اللهِ في الدَّعَوات: لا بُدَّ من ابتلاءٍ، ولا بُدَّ من أذًى في الأموالِ والأنفسِ ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا﴾، ﴿وإِنْ تَصْبِرُوا﴾ على الابتلاء ﴿وَتَتَّقُوا﴾ مَا يَجِبُ اتِّقَاؤُهُ فِي الِاسْتِعْدَادِ لِذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِهِ، وَمُكَافَحَتِهِ عِنْدَ وُقُوعِهِ ﴿فَإِنَّ ذَلِكَ﴾ الصَّبْرَ وَالتَّقْوَى ﴿مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾، أَيِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تُعْقَدَ عَلَيْهَا الْعَزِيمَةُ، وَتَصِحَّ فِيهَا النِّيَّةُ وُجُوبًا مُحَتَّمًا لَا ضَعْفَ فِيهِ، ولا انكِسَارَ معَه، فإِنْ كنتم مِمَّنْ تُوهِنُهُمُ الشِّدَّةُ ويكسِرُهم الأَذَى فَلَسْتُم أَحْرِيَاءَ بِنَصْرِ الْحَقِّ.
ولنْ ينصرَه إلا مَنْ كان أصلبَ عودًا، فهؤلاء هم الرَّوَاحِلُ الذين يصلُحونَ لحمْلِ الدعوةِ، ويؤتمنون على القيام بها، ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾، وهؤلاء هم ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾، والظَّنُّ هَاهُنَا يَقِينٌ، فإذا عايَنُوا ضخامَةَ الكَيْدِ ضدَّهم ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ فينطلِقُون مُتَحَمِّلين مرارة َالصبرِ على الأذَى، مُصِرِّينَ على الثباتِ على الحقِّ، فلا تُوهِنُهُم المصائبُ والشدائدُ، بل تزيدُهم قوة.
(5) النَّصْرُ بعدَ النَّجاحِ في اختبارِ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاء
فلا تمكينَ إلا بعد ابتلاءٍ، ولا نصرَ إلا بعد تمحيصٍ ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾، وَلَيْسَ قَوْلُ الرَّسُولِ ﴿مَتى نصر الله﴾ شَكًّا؛ بَلِ هو طلبٌ واستِنْجَازٌ لِلنَّصْرِ مِثْل قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي».
وما يجري لا يَعْدُو أن يكونَ اختبارًا، لا حالةً دائمةً، ولا يلبثُ أنْ ينتَهي، بعد أن ينجحَ الصادِقُون بفضلِ الله ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾، فقوله ﴿بِشَيْءٍ﴾ يُؤْذِنُ أَنَّ كُلَّ بَلاءٍ أَصَابَ الإِنْسَانَ وَإِنْ جَلَّ، فهو طَرَفٌ قليلٌ، وَإذا كان البعضُ يهتزُّ أمامَه فإنَّ اللهَ بلُطْفِه يُخَفِّفُه عَلى المؤمنينَ، ويجعلُ رَحْمَتَهُ مَعَهُمْ فِي كُلِّ حَالٍ؛ لأنهم ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.
ولهذا استحقُّوا البُشْرَى والنَّصْرَ ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ أي ثنَاءُ مِنَ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَمَدْحٌ وَتَّزْكِيَةٌ لَهُمْ ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ أي كَشْفٌ للْكُرْبَةِ، وَقَضَاءٌ للْحَاجَةِ ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ الذين أصابوا طَرِيقَ الْحَقِّ، دُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ ﴿فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
ومهما حاولَ الظالمونَ الإِضْرارَ بهم فلنْ يضرُّوهُم إلا أذًى، يستقبِلُونه بثباتٍ ورضًا، ويستعينُون بالله على تجاوُزِه، ويستغيثونَه فيُنْزِلُ عليهم نصرَه من فَوْرِهم ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾.
أيُّها الثُّوارُ الأحرارُ، في ضوءِ هذه المعانِي القرآنيةِ نمضِي في ثورتِنا السِّلْمِيَّةِ العظيمةِ، مؤمنيَن بصِحَّةِ طريقِنا، مطمَئِنِّين لوعْدِ ربِّنا، نجمعُ صفوفَنا، ونوحِّدُ كلمتَنا، ونُجدِّدُ صبرَنا، ونُبْدِعُ في أدائِنا، وننتظرُ ساعةَ النَّصرِ، وما هي منَّا ببعيد.
----------------
نشره "إخوان أون لاين" في 18 فبراير 2017
أضف تعليقك