• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم.. عبد الرحمن يوسف

في "وارسو" جلس وزراء خارجية دول عربية يجمع بينها عداؤها الشديد لشعوبها، واعتمادها في الاستمرار في الحكم على الدعم الأمريكي.. هؤلاء هم ألد أعداء الربيع العربي، يكرهون الحرية كراهية العمى، وقد كان قرارهم بعد بدء الربيع العربي أن يرتموا في أحضان أمريكا خشية شعوبهم، وأن يكون الدعم الأمريكي عن طريق أسهل الأبواب، وأقواها، أي إسرائيل!

مصر فتحت باب التطبيع منذ أربعين سنة، واليوم لا نتحدث عن تطبيع يشبه ما بدأت به مصر في "كامب ديفيد"، فالأمر أقذر من ذلك بكثير.

صحيح أن هذه الدول لا تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع الكيان الصهيوني، ولكن ما يحدث الآن أبعد من التطبيع بمراحل. إنه تحالف أخوّة، فهؤلاء الحكام إخوة في الدم مع الصهاينة، لهم المبادئ نفسها، ولهم المنهج نفسه، والتعاون الأمني الكامل بينهما لا يمكن تصوّره بين دول بينها أي شبهة عداء أو خلاف، وهناك حبل سُرِّي يربط بين الجنين العربي الجالس على كرسي الحكم، والمشيمة الإسرائيلية في تل أبيب، مهما حاول المنكرون أن ينكروا.. نحن دول لا يحكمها أهلها، بل تحكمها إسرائيل.

* * *

الطريق إلى صفقة القرن يظنونه معبدا، فالجالسون في "وارسو" يرون المشهد من علٍ، ولا يرون تفاصيل الواقع على الأرض، أو يرونه في شكل تقارير وأرقام، ولا يرون الحقائق على الطبيعة.

الغرور، واليأس ... كلاهما يصوّر للإنسان الواقع على غير حقيقته، كلاهما عدسات تكبّر أشياء، وتصغّر أخرى، ويحتاج المرء في تلك اللحظات أن يتراجع خطوات، وأن يحاول أن يتواضع، وأن ينظر للمشهد بتؤدة، وأن يفهم التاريخ، وأن يتوقع المستقبل، دون ضغوطات اللحظة الحالية (سواء بشطحات الغرور، أو بهواجس اليأس).

صفقة القرن مشروع خبيث، ولكن نجاحه صعب، يحتاج إلى أشياء كثيرة على الأرض، أولها أن يتعاون الشعب الفلسطيني تعاونا تاما، وإلا ستظل المشكلة قائمة، وسيظل الوضع على ما هو عليه.

* * *

ما يحدث في وارسو ليس بعيدا عما يحدث في القاهرة، فالتعديلات الدستورية في طريقها إلى الإقرار، ولكن هناك حالة عامة من الاستياء على جميع المستويات الشعبية والرسمية، حتى إن أنصار المسخ الجالس في القصر قد تذمروا.

البعض يتعامل مع موضوع العبث بالدستور بالطريقة نفسها (الغرور، واليأس)!
 

فترى أنصار النظام يتحدثون وكأن التعديلات قدر لا رادّ له، ويتناسون ما سبق ذلك من تعديلات في تاريخنا القريب، وكيف أن جميع هذه التعديلات مرّت، ولكن في النهاية سقط كل من تجرأ على العبث بالدستور، هو ومن شاركه في جريمته.

أما اليائسون فيتفننون في إرسال أفواج طاقاتهم السلبية، تارة بأن يقولوا إنه لا فائدة من المشاركة، بل إن البعض يزعم أن لا فائدة من المقاطعة، وينصحنا هؤلاء بأن ننفصل عن الواقع وأن ننشغل بأحوالنا الخاصة، وكأن هذه التعديلات لن تؤثر على كل مواطن مصري في صميم أحواله الخاصة (داخل وخارج مصر).

ومن أهم الرسائل السلبية رسالة "آخر المعارك"، فهذه التعديلات في رأي هؤلاء إذا مرّت فهي المعركة الأخيرة، ومعنى ذلك أن مصر قد أصبحت ملكا لسيسي إلى الأبد.

ولست أدري بأي منطق يحكم هؤلاء، ولا أدري ما هو المطلوب في تلك الحالة؟ أن نترك مصر لحاكمها الصهيوني لقمة سائغة؟ أم أن نشارك في الجريمة معهم لقاء عمولة أو فتات؟

إن معركة التعديلات الدستورية معركة في غاية الأهمية، ولكن الحياة ستستمر، أيا كانت نتيجتها، ولو أننا صدقنا أن تعديلات 2005، أو 2007 هي النقطة الفاصلة في مسيرة جمال مبارك إلى عرش أبيه، لو صدقنا ذلك لما قامت ثورة يناير من الأصل.

* * *

نحن مطالبون اليوم بأن نجمع الموقف على قرار واحد، المشاركة، أو المقاطعة!

لذلك أقترح على كل الشخصيات العامة والمهتمين بالشأن العام ممن يتجاوز عدد أعضاء صفحاتهم الخاصة مليون مشترك على فيسبوك، أن نبدأ باستفتاء الناس على الخيارين: هل نشارك؟ أم نقاطع؟

وسبب اقتراحي هو محاولة معرفة توجه الرأي العام من خلال عدد كبير من الاستفتاءات، لعل وعسى أن يساعد ذلك على اتخاذ القرار الصحيح.

سأبدأ من خلال صفحتي بطرح السؤال التالي:

ما موقفك من استفتاء التعديلات الدستورية:

1- سأصوت بلا

2- سأقاطع
 

* * *

لا بد أن يعلم المصريون أن هذه التعديلات تعيد تهيئة مصر لمراحل أقذر من الاستبداد، إنها مرحلة توريث للحكم، توريث من شقين، الشق الأول توريث عسكري، والشق الثاني توريث داخل عائلة "سيسي"!

كما أن هذا العبث بالدستور لن يتأثر به المصريون وحدهم، بل ستتأثر به المنطقة العربية كلها، وستكون القضية الفلسطينية أول من يدفع الثمن ... كالعادة!

من الواجب على كل مصري أن يعمل من أجل إسقاط هذا العبث، ومن الواجب أن نعمل من أجل إسقاط هذا النظام العميل.

وهذا الاستفتاء من الممكن - إذا قررنا - أن يكون بداية عمل وطني مشترك، تجتمع فيه الكلمة على الثوابت الوطنية التي لا تقبل النقاش، وهي أن هذا الوطن ملك للجميع، وأن الدولة ومؤسساتها ليست ملكا لمجموعة من السفاحين الذين لا هم لهم سوى مراكمة المال الحرام في بنوك الدنيا، مقابل أن يقطعوا من لحم الوطن ليطعموا كلاب الصهاينة.

أضف تعليقك