وائل قنديل
ليس محمود عباس فقط الذي يعمل من أجل مستقبل شباب الكيان الصهيوني.. عبد الفتاح السيسي سبقه في هذا المضمار، وأعلن أنه يعمل من أجل أمن المحتلين الصهاينة، وغيره كثيرون من حكامٍ عرب يسهرون على ضمان أمن إسرائيل، ليس حبًا فيها بقدر ما هو ضمانٌ للبقاء في السلطة، في زمنٍ عربيٍّ باتت فيه تل أبيب مصدر السلطات.
هم أنفسهم لا ينكرون ذلك، أو يكتمونه، بل يتنافسون جميعًا على لقب الأكثر ولاءً، ويباهون بذلك، حتى باتت أقصى أمانينا منهم أن يعاملوننا بالمثل، ويعتبروننا أصحاب حقٍّ في الحياة، مثل الصهاينة، وأن يعترفوا بجدارة الشباب العربي بمستقبل مماثل لما يحلمون به لشباب الكيان الصهيوني.
في حديثه أخيرا، من المقاطعة التي تحميها إسرائيل، وبعد أن استردّ عافيته، ونجا من الموت على يد أطباء إسرائيل، يعلن محمود عباس، رئيس السلطة التي تتغذّى على التنسيق الأمني مع إسرائيل، إنه ملتزمٌ بالعمل من أجل مستقبل شباب إسرائيل، وسيناضل من أجل حمايتها من شبح عودة اللاجئين الفلسطينيين، وسيحارب من أجل عدم المساس بالتركيبة السكانية لإسرائيل، لتبقى بمنأى عن التلوث بالعنصر الفلسطيني بالطبع.
والحال كذلك، هل يمكن أن نطلب من السيد عباس أن يعامل غزة بالمثل، ويعتبر سكانها من جنس البشر الجديرين بالحياة والتطلع إلى المستقبل؟ هل نطمع، فقط، في أن يكون على مسافةٍ واحدةٍ من الشباب الصهيوني والشباب الفلسطيني، ويعترف بحق غزة وشعبها في الحياة؟.
كنت أتصور، في السابق، أن أقصى عمقٍ يمكن أن يهبط إليه أبو مازن أن يتصرّف باعتباره ناشطًا معارضًا داخل منظومة الكيان الصهيوني، وليس رئيس سلطةٍ لشعبٍ احتلت أرضه، ويقاوم من أجل استعادتها، أو بالحد الأدنى البقاء فوق بعض أراضيها، غير أن محمود عباس يصل الآن إلى المرحلة التي يرى فيها معارضة الكيان الصهيوني فعلًا مجرّمًا ومحرّمًا، ويسلك وكأنه ناشط في معسكر الموالاة داخل إسرائيل، المحدّد الأساس لأقواله وأفعاله وتحرّكاته هو المصلحة العليا للكيان الصهيوني، على نحوٍ يفوق رؤى واتجاهات وأفكار الصهاينة الأقحاح أنفسهم، حتى تخيلت لحظة أن الرجل، بهذه التصريحات، يعتزم الترشح للانتخابات الإسرائيلية المقبلة، ويغازل أصوات الناخبين الصهاينة، وأن الهدف الأبعد، بالنسبة له، هو مستقبله السياسي في إسرائيل، وليس مستقبل الشباب الصهيوني.
ولا يتفوق على محمود عباس في هذا السباق إلا عبد الفتاح السيسي الذي يتعاطى مع مستقبل الشباب الصهيوني بطريقة أخرى أكثر نجاعةً وفاعليةً، إذ يدرك أنه لكي ينعم شباب إسرائيل بالمستقبل الآمن، لا بد من إحراق مستقبل الشباب المصري والعربي، وتحديدًا ذلك الجيل من الشباب المنتمي إلى ربيع عربي اندلع من أجل حلم عربي يتوخّى إعادة تعريف القضية الأساسية، ويناضل من أجلها، فيعدم فريقًا منهم ويزج آخرين في السجون، ويغرق فريقًا ثالثًا في عرض البحر، وهو يُحاول الفرار على مراكب الهجرة غير الشرعية.
كان هذا الجيل من الشباب تعبيرًا عن أنقى وأروع ما أنتجته موجات الثورات العربية من ثمار.
وكما وصفته، فقد كان الثمرة الأولى لمحاولة تحرير المواطن العربي من احتلال دولة الاستبداد والقهر، ليرنو إلى تحرير الأرض السليبة. وعلى ضوء ذلك، يمكن فهم سر هذه الهمّة الإسرائيلية في دعم كل المشاريع العكسية المضادة للثورات العربية واحتضانها.. إنهم لا يريدون جيلا يتذكّر أسماء أسلافه الذين ماتوا دفاعا عن الأرض، أو يحفظ أسماء المدن وتواريخ المجازر والمذابح.
هنيئًا لمحمود عباس والسيسي بالمستقبل الآمن، لهما ولشباب إسرائيل، ولا عزاء لمن لا يدرك أن التحرير يجب أن يبدأ من القاهرة ورام الله.
أضف تعليقك