• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

فضيلة المرشد العام الأستاذ / مصطفي مشهور

الصراع بين الحق والباطل، صراع طويل مرير، ودائمًا على مدار التاريخ يأبى البغاة المعتدون، إلا أن يظلموا المؤمنين ويقعدوا لهم في كل طريق ويحاولوا فتنتهم وردهم عن دينهم، يقول الحق سبحانه يخبرنا عن كيدهم لكى نحذرهم (... وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا )(البقرة: من الآية217) إنهم يحرصون دائمًا على وأد الحق والنيل منه وهم بهذا يحادون الله ورسوله، ولذلك يحل دائمًا بهم الجزاء العادل، وينزل بهم القانون الأزلى يقول الحق سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ، كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة:21،20) وقال سبحانه (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (إبراهيم:42)

ولهذا الصراع دروس وعبر يجب أن يعيها المؤمنون ولا يغفلوا عنها، إنه صراع مرّ المذاق، كثير الجراحات، فادح التضحيات، ولقد تحمل المسلمون الأوائل هذا كله، وأيقنوا أن الصراع كلما اشتدت وطأته، وأظلم ليله، كان النصر القريب، وبزوغ الفجر، وانتهاء الظلام وكان أوان تحقق الأمل المنشود.

ولقد بين هذا رب العالمين فقال (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ، إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ) (الأنبياء:106،105) (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (لأعراف:128)

إن الكفاح بمرارته وآلامه، يمس النفس الإنسانية حتى يصل إلى أعماقها، وعندما تصل المحنة إلى هذا المستوى الرهيب، يبدأ التحول في المعركة، إلى جانب الحق وأهله، فأما من ظلم وجار واعتدى فإلى زوال، وأما من آمن وصبر واحتسب فإلى دوام وبقاء، قال تعالى (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ (الرعد: من الآية17)

لابد لحملة الرسالة ودعاتها من التمسك دائما بعقيدتهم فهى الحق الذي قامت عليه السماوات والأرض، ولابد من الإيمان بها والعمل لها، فإنها أمانة آلت إليهم بعد جهاد وتضحيات ودماء، ومواقف ضد قوى الشر حاسمة، ويجب أن يبقى هذا الدين العظيم في أيدينا سليما كما نزل من عند الله، فهو أمانة نورثها للأجيال، وقد تكون أصدق منا يقينا، وأعمق منا إيمانا، وأقرب إلى تحقيق النصر وبلوغ الفوز، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وحتى يتم ذلك يجب علينا أن نقترب من القرآن حفظًا وتلاوة وفهمًا وتدبرًا، وعلمًا وعملاً، يجب أن نفقه القرآن وأن نعمل به وأن نتحرك بمقتضاه، وأن نعيش قضايا هذا الحق، فإن أسراره لا تتفتح لمن يتلونه فحسب، ولكن لمن يتابع توجيهاته، ويؤمن بموعود الله عز وجل (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(الروم: من الآية47)( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128)

نموذج إيماني فريد – يوسف عليه السلام

لقد قص الله على نبيه الكريم، قصة أخ كريم، يوسف بن يعقوب بن اسحق بن إبراهيم، عليهم جميعًا صلوات الله وسلامه، ولقد عانى يوسف عليه السلام ألوانًا من المحن، محنته مع إخوته، ومحنته وهو في الجب، ومحنته وهو يباع كالسلعة، ومحنة كيد النساء له، ثم محنة السجن، ومع كل هذه المحن، وأشقها على نفسه اتهامه بتهمة مزورة ملفقة، ومفتراه، دون تحر ولا بحث، نجده خلف القضبان ووراء السدود والأسوار، لا ينطوي على نفسه، ولا يندب حظه، لكنه يوجه اهتمامه بالحق الذي كرمه الله به، وبالرسالة التي شرفه بها، فينطلق لسانه، يبين لمن معه في السجن ويعلمهم عقيدة التوحيد الصحيحة، واليقين بالآخرة كما يوضح لهم العقائد الفاسدة (... إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ، وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (يوسف : 38،37) ثم يعلن رأيه فيما عليه الناس ويكشف في شجاعة وقوة فينادى من معه ويهز وجدانهم (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:40،39)

إن هذه القصة نزلت على النبى صلى الله عليه وسلم في فترة حرجة من تاريخ الدعوة، بين عام الحزن، بموت أبى طالب وخديجة رضى الله عنها، وبين بيعة العقبة، فكانت بلسمًا وترويحًا عن رسول الله وصحابته، وعن المؤمنين في كل زمان ومكان إلى يوم القيامة، يقول الحق سبحانه (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (يوسف:1)

ونموذج آخر : مؤمن آل يس

إنه النموذج الذي اتبع الذكر، وخشي الرحمن بالغيب فكان له موقف مشرف مع القلوب المغلقة، المستكبرة على الله وعلى رسله وعلى دعوته، فهذا المؤمن استمع للحق، فاستجاب له، وآمن به، وانفعل بهذا الحق، فلم يستطع السكوت، ولم يؤثر الصمت في وقت شديد، ومنطق لأعداء الله أشد ينذر بالخطر، إنه استمع ما قالوه لمن سبقوه في هذا الطريق من الرسل، (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) (يّـس:18) فدعوة الحق عند الضالين شر، وصاحبها متهم يجب أن يسكت، وإلا فالرجم والعذاب الأليم، ومع ذلك فإن مؤمن آل يس يأتي من أقصى المدينة، يسعى ويقف أمام قومه وهم يكذبون ويجحدون ويتوعدون، يوجه إليه نفس الدعوة، ويطلب منهم أن يتبعوا المرسلين ويتحدث إليهم في شجاعة وصراحة عن نفسه وعن أسباب إيمانه، ثم يهتف (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) (يّـس:25) فلم يمهلوه أن قتلوه وها هو يرفعه الله عز وجل إلى دار الخلد بين الخمائل فيها والرياحين، دار الكرامة (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) (يّـس:28،27) وهنا يتدخل القدر بحسم، ليوقف الذين يبغون في الأرض بغير الحق عند حدهم، لقد صاح عليهم جبريل عليه السلام فخمدوا كما تخمد النار، صيحة واحدة وانتهى الشر، وذهب الباطل إلى غير رجعة. قال تعالى (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) (يّـس:29)

إن موقف المتعالين على ربهم موقف مؤسف، موقف محير يستحق الألم والندم والحسرة، يقول الحق سبحانه (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (يّـس:30)

إن دماء الشهداء غالية عزيزة عند الله، ينتقم لها مهما طال الزمن، وهى التي تنزلق فيها أقدام الظالمين فتهوى بهم إلى القاع، وبئس القرار.

ما أحوج الدعاة إلى الله أن ينهلوا من سيرة أسلافهم ما يقودهم إلى النصر، وأن يأخذوا من الماضى ما يعينهم على الحاضر، وأن يستمدوا من المقومات التي مهدت للنصر في معاركهم مع أعداء الله، ما يفيدهم في الظروف الحاضرة ويرشدهم إلى النهج الأفضل، في استرداد ما ضاع منهم عسى الله أن يأذن بالفتح، أو نصر من عنده، وما ذلك على الله بعزيز.

ماذا ينتظر المسلمون؟

الصهيونية لفظ ممقوت، مدلوله عند المؤمنين على مدار التاريخ الخسة والدناءة، والإرهاب والعدوان، وإشعال الحروب، كما يعنى اغتصاب الحقوق، والعبث بمقدرات الشعوب، والاستخفاف بحياة عباد الله، والغطرسة والاستكبار في معاملتهم، والاستهزاء بأصالتهم، وإهدار دمائهم، والتسلط عليهم، والحقد الأعمى على عباد الله، وقتل الأطفال، وإبادة الكبار، والسجن والتعذيب للأبرياء، لقد كان أقل رد عليهم، قيام الانتفاضة المباركة، وإعلان الجهاد في سبيل الله، والرغبة من الشباب المؤمن في ملاقاة هؤلاء الأعداء، وهم عزل إلا من إيمانهم بربهم، الشباب المتواصل الناهض، الذي تخرج من المساجد وملأ قلبه بالإيمان.

إن أهل فلسطين وقد اشتدت قبضة الصهيونية عليهم ليستغيثوا بالمسلمين ويصرخوا، ويطلبوا النجدة، ويهيبوا بالمسلمين بعدم الخوف من يهود، فهل من مجيب ؟

إنهم يرجون من المسلمين أن يتجدد عندهم الأمل في نصر الله للمؤمنين، وفى وعيده الثابت بقهر اليهود إذا اتحد المسلمون وقوى صفهم، ويقول سبحانه بصراحة (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (لأعراف:167) إن هذه الآية ليست وعدًا قاطعًا بما ينتظر اليهود بين الحين والحين من عذاب أليم وهوان، وإنما هي تبين حقيقة ثابتة عاش عليها اليهود منذ أن بدلوا آيات الله، وحرفوا الكلم عن مواضعه، وكفروا بالحق، وقتلوا الأنبياء وعاثوا في الأرض مفسدين، إن الله قضى عليهم أن يفسدوا ويعاقبوا كلما أفسدوا عقابًا شديدًا، وأن هذه سنته، كلما عادوا إلى الإفساد، عاد الحق تعالى عليهم بالعقوبة يقول سبحانه (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً) (الإسراء:8)

إن انتفاضة الشعب الفلسطينى المؤمن كانت كالصاعقة في وجوه الذين ظنوا أن شعب فلسطين قد تقاعس وانتهى ورضى بلعبة المفاوضات وانطلت عليه دعاوى السلام وظنوا أن هؤلاء المجاهدين ما هم إلا مجموعة من الإرهابيين وقطاع الطرق، لكن الحقيقة أن الانتفاضة قد تمردت على الاستعمار العالمى واليهودى، ومخططات الكيان الصهيوني، وكيد أمريكا والغرب وهؤلاء في وقفتهم الصامدة وهم عزل، أمام دبابات وطائرات وصواريخ الكيان الصهيوني، ترجع لأسباب عميقة تمتد في أعماق ماضي هذا الشعب المؤمن الذي تراكمت صور الظلم اليهودى والاستبداد في حياته، على مدى أعوام طويلة، فلا محالة أن جاءت انتفاضة صادقة، تحرص على الموت لتوهب لها الحياة، لقد جاءت انتفاضة أهل فلسطين لتؤكد أن الثورة على الباطل تصنعها الشعوب، عندما تحاول القوى الاستعمارية أيًا كان المساس بدينها وعقيدتها وشخصيتها وكيانها ومحاولة فصلها عن قرأنها وتاريخها الإسلامي، الذي لا يقوم هذا الشعب المسلم إلا به، عندها ندرك حقيقة تلك المحاولات الاستعمارية وندرك أيضًا الأسباب العميقة لانتفاضة هذا الشعب، إنها تحتاج منا جميعًا إلى العون بكافة ألوانه، العون المادي والمعنوي، عون الحكومات العربية والإسلامية وهى تملك الكثير، مقاطعة كل ما ينتجه الغرب، وما يصدره إلينا، مقاطعة ثقافة الغرب، وحضارة الغرب الزائفة، التي لا تقدس إلا الانحراف والجنس وتقضى على الأسرة والشباب والعفة والفضيلة، وتهدم الأسرة.

في فلسطين اليوم ملائكة الرحمن تستقبل مواكب الشهداء، تستقبل أصحاب العقيدة ممن آثروا الباقية على الفانية، وآثروا ما عند الله تستقبل من عاهدوا الله على أن يعيشوا أحرارًا أعزاء، أو يموتوا كرامًا شهداء، يقول الحق سبحانه (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ.... )(الحج: 40،39)

إن مقومات العالم العربى والإسلامى ليست بالأمر الهين، فالمقومات البشرية تفوق مليار مسلم، قرابة ربع سكان العالم يدينون بدين واحد ويعبدون ربًا واحدًا، ومساحة العالم الإسلامى أكبر من ربع العالم كله، وهى متصلة ببعضها اتصالات وثيقة، الموقع الاستراتيجي هام جدًا، فهو يتحكم في البحر الأحمر، وبحر عمان والخليج العربي، والبحر العربي، وقناة السويس، وفى مدخل المحيط الهندي، والمقومات الاقتصادية، والمالية، والعلمية، كل هذا وغيره لو أحسن استخدامه لتقدمت الأمة العربية والإسلامية وأصبحت كتلة إسلامية، ومعسكرًا يحقق التوازن بين الشرق والغرب، وتختفي النقطة السيئة السوداء من الخريطة وهى إسرائيل الباغية المزعومة إلى الأبد.

ويسألونك متى هو ؟ قل عسى أن يكون قريبا.

أضف تعليقك