• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: عامر شماخ 

تعقيبًا على ما ورد فى المقال السابق الذى تناول أخطاء فيلم (فى سبع سنين)؛ نتطرق -سريعًا- إلى قضية الإلحاد التى باتت تُناقش كأنها ظاهرة، وهذا خطأ كبير، وفخ سقط فيه –للأسف- منتجو الفيلم. لا ننكر وجود تطرف من بعض الشباب نحو التخلى عن الدين؛ فى ظل وجود نظام يشجع على هذا ويهيئ للملحدين مسارح الإعلام لنشر دعوتهم الهدامة -لكنها ليست الظاهرة المتفشية القائمة على مبادئ وأنساق تضمن لها الانتشار، بل لو أتيحت الحريات وأُعطى أهل الدين الحق فى الرد على هؤلاء المساكين لقُطع دابرهم فلم نسمع لهم صوتًا.

وباستثناء تلك الفئة القليلة التى يتبناها النظام ممن يعلنون إلحادهم، ويتباهون بذلك، وهم من خضعوا -بثمن أن بدون ثمن- لأفكار غربية أو شيوعية أو تنصيرية، أو استُخدموا لأغراض مذهبية؛ فإن أمثال من شاهدناهم فى الفيلم هم من ذوى الظروف الخاصة؛ فمنهم من يجهر بالكفر -كما ذكرت فى المقال السابق- كنوع من «المكايدة» السياسية تثبيطًا من همم أحزاب أو جماعات لم ينل منها غرضه أو لم تحقق طموحاته، وهى ترفع شعار الإسلام، فكأنه يقول فى لحظة من لحظات الغضب والإحباط هأنذا أترك لكم حزبكم وأغادر أيضًا إلهكم، وهو اضطراب واضح سببه القلق النفسى والتخبط الداخلى والإحساس بالضياع.

ومنهم من حرّضتهم أنفسهم الإمارة بالسوء؛ فوقعوا فى حبائل شياطين الإنس والجن؛ فهؤلاء فريسة المعصية وقد أهلكهم الإثم حتى فقدوا القدرة على الرجوع إلى الله، وظنوا ألا توبة لهم، كما أنهم بلا إرادة كى يقلعوا عن الوحل الذى سقطوا فيه؛ فلا باب أمامهم سوى باب التمرد على القيم والأخلاق؛ حيث يتخيلون ألا إله يحاسبهم على كبائرهم، وأن الغيب كذب كله، يفعلون ذلك تبريرًا لأفعالهم وتصديقًا لأنفسهم الآثمة الموحولة.

ومن هؤلاء من يعانى اكتئابًا حادَّا لصدمة تعرض لها أفقدته الأمل فى أشياء كثيرة -وما أكثر صدمات هذا العصر- بل ربما أفقدته الرغبة فى الحياة من الأساس، فهو قاعد لا حراك له، يرى الناس من حوله يذهبون ويجيئون، وهى باق لا يراوح مكانه يلقى اللوم على الإله الذى وزع هذه الحظوظ وجعل حظه الفشل، ثم يتطور الأمر بمقاطعة هذا الإله، فلا صلاة ولا صوم ولا طاعة، والحال هكذا يتطور إلى الأسوأ فتزداد أعراض الاكتئاب فيكون الغضب واللامبالاة وفقدان التركيز والعدوانية والرغبة فى الانتحار، ومن الغضب سب الإله وإعلان الكفر به وعدم الخشية من التفوه بهذا على الملأ. ولهذا أكد كثير من الأطباء أن الإلحاد -بهذه الصورة- مرض نفسى، «فالملحدون مضطربون يعانون الحزن والاكتئاب والضياع بسبب خبرات حياتية مروا بها أدت إلى تشكيل التاريخ المرضى لحالتهم، كما أن كثيرين منهم يعانون الهستيريا والهوس».

ومنهم من ابتُلى بالفقر أو المرض أو موت عزيز فجزع ولم يصبر، وكفر بأنعم الله التى لا تُحصى، ولو عافاه الله لكان حاله غير ذلك (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[الحج: 11]، فالفقر يحمله على التقول على الله، والطعن فى عدالته، حتى قال النبى: «كاد الفقر أن يكون كفرًا»، وقال الإمام على -كرم الله وجهه-: «لو قال الفقر إنى ذاهب إلى بلد لقال الكفر خذنى معك»، وقد سمعت مؤخرًا عن رجل أعرفه مات ولده فكان يخرج إلى مزرعته يقذف السماء بالحجارة اعتراضًا -عياذًا بالله- على ما فعل الله به، فلا زال على هذه الحالة من السب والشتم وقذف الطوب حتى مات كمدًا.

تلك أمثلة من بيئتنا لمن أطلقوا عليهم لفظ «ملحدين» وهو لفظ قاس، الملحدون أنفسهم لا يقدّرون عاقبته وهم على حالة لا أراها كفرًا على الإطلاق، إنما هو إلحاد دون الإلحاد، فإنما الكفر يكون قولا باللسان، واعتقادًا بالقلب، وعملاً بالجوارح، وهؤلاء مشحونون بالهمّ والحزن، ليس لديهم عزائم المؤمنين، ولو روجعوا ووجدوا مصلحين مخلصين لأخذوا بأيديهم ونواصيهم إلى الله، ولو صادفهم قطار الإيمان لاستغفروا وأنابوا عما صدر منهم فى أوقات التعاسة واليأس.

وإذا كان ثمة مجرمون حريصون على إشاعة هذا الشرّ؛ فعلى أهل الصلاح أن يبثوا فى شبابنا الأمل، وأن يقطعوا صلتهم بالشيطان، وأن يحرضوا التائه منهم على التوبة إلى الله، وأن يكفوا أذى المتربصين عنهم؛ وكلٌ يعمل على شاكلته؛ لئلا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

أضف تعليقك