• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم عامر شماخ

شاهدت الفيلم الوثائقى «فى سبع سنين» الذى أعده وقدمه الزميل محمد ماهر عقل وبثته قناة الجزيرة الإخبارية؛ شاهدته مرتين للوقوف على حقيقة المشاهد التى أثارت جدلًا حادًّا بين مرتادى (الفيس) وغيره..

يرصد الفيلم تحول الشباب بعد الثورة فى ظل عنفوان الأزمة المصرية وتتابع حوادثها المميتة. وهو –فى نظرى- لا يرقى إلى رتبة العمل الدقيق أو الموضوعى؛ لأسباب كثيرة أخلت بثوابت البحث والاستقصاء العلمى؛ فضلًا عن أن الفيلم كان يمكن معالجته بصيغ أخرى أفضل من التى ظهر بها؛ فقد بدا مرقعًا لا قوام له مقسومًا إلى قسمين، بل ثلاثة بعد إضافة «الأخ المسيحى!» فى نهايته، وتحتار: أى عنوان يناسب هذا المحتوى المجزأ، فلا يناسبه سوى هذا العنوان الفضفاض «فى سبع سنين» فإنه يستوعب كل ما يخطر على البال ومنها قضية الإلحاد التى عُولجت بشكل سطحى وجاءت غير مترابطة.

هو –لذلك- أشبه بفضفضة مع شباب التيار الإسلامى المتحولين- باستثناء الشاب المسيحى الذى أتى بصوته وصورته فقط فى نهاية الفيلم لمدة دقيقتين وبشكل مبتور ومن دون داع إلا ليقال إنه أتى بالمسيحى كما أتى بالمسلم- وقد كشفت هذه الفضفضة عن عدة أمور:

أولاً: هؤلاء الشباب -جميعًا- مروا بأزمات نفسية عنيفة كشفت عن نفوس رقيقة لا تحتمل كل هذه الضغوط، وقد مسّت هذه الأزمات ثوابت لم يكونوا يتوقعون أن تُمَسَ، ما أحدث زلزالًا داخل كل واحد منهم، أعقبه هذا التحول وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم. كما يجمعهم –أيضًا- إما الجهل بالدين أو عدم فهم مقاصده وأهدافه.

ثانيًا: لا أجد فى الحوارات إلحادًا دينيًّا، لا قولاً ولا سلوكًا، كما بالغ بعض من شاهدوا الفيلم؛ إنما أجد إلحادًا سياسيًّا وكفرًا باتجاهات بعينها؛ حتى التى قالت «أنا كافرة» فأظنه هو «الكفر دون الكفر» فقد صرحت وهى تبكى -وقد بدا عليها اليأس والإحباط الشديدان- بأنها فقدت كل شىء فلا ناصر لها، وعدمت الجميع فى أزمتها الخاصة وفى أزمات المسلمين العامة، وفقدت الثقة فى أناس أحبتهم وأخلصت لهم.

وقريب من هذا حكاه لى أستاذى عبد المنعم سليم جبارة –رحمه الله-، وكان ممن بقوا فى سجون الهالك لمدة عشرين عامًا قال: (لما اشتد العذاب على الإخوان عقب محنة 1954 لم يحتمل البعض هذا العذاب؛ فمنهم من تبرأ من الجماعة، ومنهم من تحول إلى اليسار، ومنهم من شرب الخمر جهارًا، أو تفاخر بالزنى ليصل ذلك إلى السلطات فلا تضعه فى قائمة المعذبين؛ إلا واحدًا من حى حدائق القبة اخترع أمرًا عجيبًا: أعلن تنصره، ورسم صليبًا على يده.. يستطرد الأستاذ جبارة: ودارت الأيام لتحل محنة 1965 ويدخل هذا الأخ علينا السجن، وعلى يده الصليب، وكانت طرفة؛ إذ أتى بقرار الخاسر: اعتقال كل من سبق اعتقاله. لكن إن هى إلا أيام حتى أعلن الأخ ندمه، وعاد إلى دينه وإخوانه مخلصًا لدعوته بريئًا من الكفر)..

ثالثًا: حالة من القهر والعجز تسكن أبطال الفيلم جميعًا جراء أزمة البلد تجعلك تتعاطف معهم؛ فمنهم من ضاع حلمه فى تحول بلده إلى الديمقراطية والتعددية، ومنهم من أجبرها مجرمو 30 يونيه على خلع النقاب فى المترو وعودتها إلى بيتها حاسرة الرأس، ومنهم من قُتل أخوه وقريبه وأستاذه فى أحداث رابعة وما تلاها؛ فتكونت لديهم مشاعر وسلوكات الإخفاق؛ وقد فقدوا الأمن والحماية فى المجتمع، والحنو والتعاطف حتى من القريبين لهم.

رابعًا: أكثر من واحد من أبطال الفيلم كان جوابه عن سؤال: لماذا تحولت هذا التحول؟ يقول: لا أدرى، (مش عارف)؛ ما يؤكد أنه هروب من واقع مؤلم ولو كان ذلك ثمنه النطق بكلمة الكفر، كالمحبط يلجأ إلى السكر والشراب كى ينسى -ولو لساعات- واقعه الملبد بالفشل والخذلان. وهنا لا أتحدث فقط عن ظرف عام كارثى أصاب الجميع بالأذى، إنما أتحدث أيضًا عن ظروف خاصة أضيفت إلى الظروف العامة؛ كالتى طُلقت فى ظل هذه الأحداث وقد اجتمعت عليها بذلك مصيبتان؛ مصيبة البلد الذى ضاع، والزوج الذي صدمتها أخلاقه -على حد قولها.

خامسًا: من الطبيعى جدًا عقب التحولات السياسية والهزائم أن تحدث تحولات كبيرة، وربما جذرية، خصوصًا فى قطاع الشباب. وما جرى على الساحة المصرية فى السنوات الثمانى الماضية كفيل بإحداث مثل هذه التحولات، لكن إلى الآن لم ألحظها قد ارتقت إلى حد الظاهرة، وإن كنت ألحظ -كما رأينا فى الفيلم- بعض حالات من هنا وهناك؛ ما يؤكد أن غالبية شبابنا صامدة ثابتة، وهذا لأن للتيار الإسلامى ميزة ليست لأى تيارات أخرى؛ هى أن أبناءه يحملون عقيدة تستعصى على التحول، ويؤمن معتنقوها بحتمية الصراع بين الحق والباطل، وأن الحق هو المنتصر؛ من أجل ذلك رأينا كيف ثبت عشرات الألوف داخل السجون دون التلفظ بكلمة تأييد للخصم لنيل رضاه أو طمعًا فى الإفراج عنهم.

سادسًا: حالة وحيدة فى الفيلم أراها خارج سياقه؛ ذلك الشاب الذى يبحث دائمًا عن البدائل حتى استقر على الارتباط بـ«عمرو خالد» و«صناع الحياة»، ثم كانت صدمته فى «عمرو» الذى صدم الجميع فتحول -وهو يهوى التغيير- إلى اليسار، وما أدراك ما اليسار، طبيعى أن يطعن فى الدين كرفقائه الشيوعيين، وطبيعى أن يتحدث عن ذات الله حديث الجاهل المفتون.

أضف تعليقك