بقلم: عامر شماخ
إذا كنت متابعًا للشأن السياسى فلن تستطيع أن تمنع نفسك من ابتسامة ساخرة وتنهيدة تنبئ عن «قرف»؛ لما جرى فى حفل افتتاح مسجد وكاتدرائية العاصمة الإدارية؛ ذلك أن المبالغة فى التمثيل تقود إلى هذا «الغثيان». وإذا كانوا يجيزون الكذب للسياسيين فى سلوكهم مع الخصوم، فلا يصح هذا فى مجال الأديان وبين عنصرى الأمة؛ فإن هذا مما يزيد الجروح ويؤجج الطائفية.
أما الوحدة الوطنية الحقيقية فإنها من عمل الشعب، ولها أركانها المعروفة التى إن غابت فلا تسل عن أمان أو استقرار لجميع الأطراف. لذا فإن إهداء (أعظم كاتدرائية فى الشرق الأوسط) للأقباط وما جرى فى حفل الافتتاح من تمثيليات ومجاملات لا يعد تمتينًا للوحدة الوطنية كما يظنون، بل هو استفزاز للعامة ونفخ فى نار الفتنة، خصوصًا أنه لم يكن أبدًا لوجه الله، بل لإرضاء الغرب، وإن بنوا -ذرًا للرماد فى العيون- مسجدًا للمسلمين كى لا يقال بنوا كنيسة ولم يبنوا مسجدًا يكافئها.
وإذا كان الجنرالات يفعلون هذا ابتغاء مرضات الغرب ليبقوهم على كراسيهم؛ فاللوم -كل اللوم- يُلقى على زعماء الأقباط الذى قبلوا بهذه الهدايا الحرام وقد خسروا فى مقابلها إخوتهم المسلمين. قد يقول بعضهم إنى أبالغ فى وصف مشاعر المسلمين تجاههم الآن، وأؤكد أن هذا هو الواقع، والدليل أن كنائسهم -كما لم يحدث من قبل- تحيط بها الحواجز والمدرعات من كل ناحية، فهل هذا أمر طبيعى؟ وهل رأيتموه فى مصر من قبل؟ ومن صنع هذا سواكم؟ نعم أنتم من رضيتم بأداء عباداتكم تحت حراسة الجيش والشرطة، حدث هذا لما أعطيتم ظهوركم للمسلمين، وسلمتم أنفسكم لمن أسال دماءهم وصادر أموالهم واغتصب بناتهم؛ فحرمتم أنفسكم وأهليكم من حماية الشعب، وصرتم تحسبون كل صيحة عليكم، ونسيتم أن الذى حمى كنائسكم فى أشد الأيام توترًا، أيام ثورة يناير، هو هذا الشعب حيث لم يكن عليها حراسات، ولم تطوقها دبابات، ولم تغلق شوارعها كما الحال الآن، إنما طوقتها أذرع وصدور إخوانكم المسلمين.
الآن تقفون مع العسكر بالحق وبالباطل، وهذا حرام فى شريعتكم، تنتظرون من الظالم -وأنتم ترون الدماء تقطر من يديه- أن يميزكم عن باقى الشعب، وقد ميزكم، وأن يبنى لكم مئات الكنائس وقد فعل، فماذا فعلتم بهذه وتلك؟ لقد انعزلتم عن الشعب الذى احتواكم وآخاكم وأمّنكم، وتعاليتم عليه، وواليتم المجرمين الذين أخرجوكم للوقوف ضد الشرعية، وقد حمل أبناؤكم السلاح وروعوا الآمنين، ولم تكتفوا بذلك، بل اعتبرتم كنيستكم حزبًا مواليًا للنظام العسكرى رغم ما يحمل هذا النظام من أوزار؛ فما من موقف مر على المصريين إلا وتنحازون إليه، وتعلنون دعمه، وتظهرون تأييده، فكأنكم تدمرون أنفسكم بأيديكم، وكأنكم تخربون بيوتكم لأجل مكاسب وهمية، فلا النظام باق، ولا أنتم حاصلون على مكسب حقيقى إلا بإذن الشعب وتحت رعايته.
فماذا لو انهار النظام؟ وهو منهار لا شك فى ذلك؛ ماذا أنتم فاعلون؟ ماذا تقولون وقتها لإخوانكم المسلمين وقد رأوا منكم الإساءات البالغات فى أوقات المحنة؟ ومع ذلك لم تحققوا شيئًا مما راهنتم عليه؛ فمصر لم تتغير هويتها ولن تتغير، والكنائس الغفيرة التى حصلتم عليها لم تغير شكل المحروسة ولن تغيرها، ماذا تقولون لهذا الشعب الأصيل غير المخادع وقد ربطتم أنفسكم بأشخاص وتخليتم عن الوطن وأنتم ترونه ينهار؟
قد لا يعلم كثير من الأقباط -للعزلة التى يفرضها عليهم قادة الكنيسة- أن المسلم يتقرب إلى الله بالإحسان إليهم، وأن لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، وأن أسعد الأقليات هى من تعيش فى مجتمع مسلم؛ من ثم فإن المراهنة على العسكر خسارة مؤكدة لهم ولكنيستهم، وأنهم إذا أرادوا الأمن الحقيقى والاستقرار وحرية العبادة فعليهم بوضع أيديهم فى أيدى المسلمين، وأن يروا رأيهم، ويسيروا مسيرهم، ولا يعطوا الدنية فى دينهم؛ فما سمعنا أن عيسى -عليه السلام- كان جبارًا شقيًا أو طماعًا أو ظهيرًا للمجرمين، بل كان حسن الخلق، رفيع الدرجة، وجيهًا فى الدنيا والآخرة؛ فإن زعمتم أنكم أتباعه فكونوا على شاكلته، وإلا فقد خنتموه وكفرتم بما جاء به، وهو برىء مما تفعلون.
أضف تعليقك