بقلم: ياسر عبد العزيز
في الثامن والعشرين من ديسمبر المنصرم، أعلنت وزارة الداخلية في مصر عن حادث استهداف حافلة سياحية تقل عددا من السياح الفيتناميين، ما أسفر عن مقتل ثلاثة منهم، بالإضافة إلى المرشد السياحي المرافق لهم.
في تفاصيل الخبر، تجد أن القنبلة التي استهدفت الحافلة بدائية الصنع، بحسب وزارة الداخلية نفسها، لكن بحسب صاحب شركة السياحة، فإن الحافلة تم تغيير خط سيرها بأمر من الوزارة!
المشهد الثاني: في نفس ليلة الحادث، تقوم عدة حملات من قوات الأمن الوطني (البوليس السياسي)، بدعم من قوات الأمن المركزي، بمداهمة ثلاث مناطق في مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، والعريش بمحافظة شمال سيناء، أسفرت عن مقتل أربعين ممن سمتهم الداخلية المصرية "إرهابيين"، مبررة أن القتلى كانوا يعدون لعمليات (إرهابية) مع حلول أعياد الميلاد ورأس السنة... وماذا عن الفاعلين في عملية استهداف حافلة السياح الفيتناميين؟!
مشهد ما قبل البداية: في قرار كان مفاجئا، أقال رأس النظام المصري، الأسبوع الذي سبق الأحداث سابقة الذكر، مدير جهاز الاستخبارات العسكرية، محمد الشحات، بعد أن قضى أكثر من ثلاث سنوات في المنصب. وذكرت مصادر رسمية للإعلام أن القرار اتخذ بسرية تامة مباشرة بعد اجتماع السيسي مع وزير دفاعه محمد زكي، وقد اتخذ لتنفيذه استعدادات خاصة، رفعت فيها جاهزية عدد من الأجهزة السيادية المدنية والعسكرية.
قرار إقالة محمد الشحات صاحبه، وفي نفس الجلسة، قرار تعيين خالد مجاور نائب رئيس الجهاز، والذي شغل منصب قائد الجيش الثاني الميداني، وقبلها كان يشغل منصب الملحق العسكري لمصر في الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من أن المصادر التي سربت خبر إقالة الشحات لم تذكر سببا لإقالته، وهو من المقربين للسيسي، إلا تغيير السيسي المسؤولين الأمنيين في الجيش ووزارة الداخلية وجهاز المخابرات العامة وحتى العسكرية، باتت عادة في ما يبدو، لأن السيسي لا يأمن لأحد حتى أقرب المقربين له، حتى أنه أقال صهره، اللواء محمود حجازي، من رئاسة أركان الجيش، في ظاهرة باتت تصنف مرضية.
بعد ثورة 25 يناير، ودفع مبارك ملف أمن الدولة للمخابرات العسكرية أو للسيسي تحديدا، والأخير لا يألو جهدا خلال تلك الفترة لكي تكون كل الملفات الداخلية بحوزة المخابرات العسكرية، حتى يمكن أن نقول إن جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية بات إدارة في جهاز المخابرات الحربية، وإن ظل بحكم الهيكل التنظيمي للإدارة تابعا لوزارة الداخلية.
ومن هنا كانت السرية في اتخاذ قرار إقالة الشحات، ومن هنا أيضا يمكن فهم تغيير مسار الأتوبيس السياحي، ومن هنا أيضا يمكن فهم تصفية أربعين مواطنا بدون محاكمة.. حتى مع محاولة إضفاء الواقعية على مشهد القتل بدم بارد، من خلال إطلاق بعض الطلقات على جدران البيت، لكن الثقوب التي أحدثتها تلك الطلقات لم تكن ملوثة بالدم، لتبقى شاهدة على كذب ادعاء النظام المخترق، والذي يعاني صراعات من داخله.
فالعمليتان وتوقيتهما يهزان استقرار البلد في وقت يحاول رأس النظام الظهور بمظهر المسيطر، حتى ولو ترك مساحة لتبريره قمع المعارضة بعمليات التي غالبا ما يحصرها في سيناء.. والعمليتان الأخيرتان - في ظني - لا تخرجان عن تصنيف صراع الأجنحة الذي لا يزال يعاني منه نظام انقلاب الثالث من تموز/ يوليو، والذي سيهدمه من الداخل، بعد أن تزايدت أعداد المطرودين من تكية النظام الجديد، وطمعهم في المزيد، وحقدهم على من بقي ينهب.
أضف تعليقك