بقلم جمال نصار
شهدت فرنسا في الآونة الأخيرة حركة احتجاجات على زيادة أسعار الوقود من معظم المواطنين، عُرفت باسم "السترات الصفراء"، لارتداء المعارضين لتلك السياسات (سترات صفراء)، وانتشرت هذه المظاهرات في العديد من مدن فرنسا، بل وانتقلت إلى بلدان أخرى أوروبية مثل بلجيكا. وهذه الحركة الاجتماعية غير التقليدية خرجت للاحتجاج على أول رئيس فرنسي يُنتخب من خارج الأحزاب المعروفة في البلاد.
حركة عفوية
ومثل معظم الحركات الاحتجاجية، تفتقر حركة "السترات الصفراء" إلى قيادة مركزية، وقد انتشرت بشكلٍ عفويّ على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يجذب إليها الحركاتِ اليمينيةَ المتطرفة ومثيري الفوضى، بالإضافة إلى الطلبة السلميّين.
وقد بدأت حركة السترات الصفراء في المناطق الريفية بفرنسا للأشخاص المضطرين إلى القيادة مسافات طويلة من أجل الوصول إلى أعمالهم، ثم تحوّل الاستنكار الأوّلي لضريبة ماكرون البيئية إلى حركة أكبر تضم الطبقتين العاملة والمتوسطة، وتشعر هاتان الطبقتان بالضيق من انخفاض مستوى المعيشة، لأن دخولهم أكبر من أن تؤهلهم لاستحقاق الإعانات الاجتماعية، لكنها أقل في الوقت نفسه من أن تكفي لتدبُّر أمور المعيشة في مدينة كُبرى مثل باريس.
وفي المجمل حققت هذه المظاهرات والاحتجاجات أهدافها، مما جعل الرئيس الفرنسي ماكرون يتراجع ويُوقف زيادة أسعار الوقود لمدة ستة أشهر، حسب بعض التقارير، ولا يزال المتظاهرون مصرين على تحقيق كامل أهدافهم، على الرغم من التعامل العنيف معهم، واعتقال العشرات، وإصابة المئات.
وقد ألهمت حركة "السترات الصفراء" في فرنسا عددًا من المحتجين في بلدان عربية منها الجزائر، وتونس، والعراق، إذ إن المطالب التي رفعت في فرنسا، والمتعلقة عمومًا بغلاء المعيشة في ظل ارتفاع الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، كانت قريبة إلى حدٍ ما من مطالب المحتجين العرب، ما حدا بهم إلى ارتداء سترات صفراء أيضًا، في تعبير رمزي عن رغبتهم في تحقيق ما حققه الفرنسيون من مكاسب.
بعد التأثير الذي حققته حركة "السترات الصفراء" في فرنسا، انزعجت السلطات المصرية، وخشيت من انتقال عدوى الاحتجاجات إلى مصر، وخصوصًا أن الشعب المصري يعاني معاناة شديدة من زيادة الأسعار وضيق المعيشة، فقامت السلطات الأمنية بتحذير أصحاب متاجر معدات وسترات الأمن الصناعي بالقاهرة والإسكندرية من بيع كميات كبيرة منها، وفوجئ أصحاب متاجر لبيع معدات وتجهيزات الأمن الصناعي بشارع الجمهورية (وسط القاهرة) بأفراد شرطة يطالبونهم بالإبلاغ فورًا عن أي شخص يشتري كميات من هذه السترات.
وفي المقابل أولت وسائل الإعلام المصرية اهتمامًا بتلك الحركة، وأعطت مساحات واسعة لتغطية احتجاجات "السترات الصفراء" في فرنسا، وسط مقارنات مع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني/ يناير 2011، ومالت أغلبها لاستخدامها فزاعة لإبعاد شبح أي احتجاجات محتملة في مصر.
واستخدم الإعلام المصري المكتوب والمرئي عبارات وألفاظا تتعمد التخويف من تكرار مشاهد الاحتجاج تلك، وأثرها السلبي على البلاد، مثل الفوضى، والدمار، والسلب، والتخريب، والمواجهات.
والحقيقة أنه منذ الانقلاب العسكري على الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في الثالث من تموز/ يوليو 2013، تشهد مصر حملات اعتقال تعسفية ضد المعارضة السياسية والنشطاء، تُعدّ الأشد في البلاد منذ عقود، ويعاني مجمل الشعب المصري من جرّاء ارتفاع الأسعار المتزايد منذ تعويم قيمة الجنيه المصري في نهاية عام 2016، مما جعل السلطات المصرية تخشى من ردة فعل المواطنين الذين لا يشعرون بجدوى المشاريع الاقتصادية الفارغة.
وطبقًا للعديد من المنظمات الحقوقية؛ نجد أن المحاكم في عهد السيسي باتت تُصدر أحكامًا مطلقة بالإعدام دون محاكمة عادلة، ونزيهة للمتهمين في القضايا بسبب انتمائهم السياسي، وتمّ إحالة أوراق المئات لمفتي الجمهورية تمهيدًا لإعدامهم، وبالفعل صدّق المفتي على معظمها، وتم تنفيذ الحكم على العشرات منهم، والبقية تنتظر أجلها، دون أن تتحرك منظمات حقوق الإنسان ضد هذه الهجمة الشرسة على معارضي نظام السيسي، الذي انتشرت في عهده "السترات الحمراء" داخل السجون.
وأغلب تلك الأحكام ليس لها سند قانوني في صدورها، كما أنها لم تُراع شروط العدالة والنزاهة في تلك المحاكمات، والتي أثبتت فشل مصر في احترام تعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، وخصوصًا في ما يتعلق بالإجراءات القانونية الواجبة وضمانات المحاكمة العادلة، خاصةً بعد رفض مصر أهم توصيات الاستعراض الدوري الشامل في ما يتعلق بإلغاء أحكام الإعدام.
وهذا العدد من أحكام الإعدام الذي أصدرته المحاكم المصرية منذ الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي يفوق أحكام الإعدام التي تصدرها عدة دول ما زالت تتبنى الإعدام طوال عام كامل، ما يجعل من الأحكام المذكورة أكبر عقوبة إعدام جماعي في التاريخ الحديث.
ويبدو أن المحاكم المصرية ستسمر في إصدار الأحكام المثيرة للغضب مستخفةً بكافة القوانين والأعراف الدولية، دون احترام الحق في الحياة الذي كرّسته المواثيق الدولية في وثائق أممية، منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والبرتوكول الاختياري الثاني الملحق به.
وقد وصفت منظمة العفو الدولية أحكام الإعدام الأخيرة في مصر بحق (75) من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، بالمحاكمة الجماعية "المخزية"، داعيةً إلى إعادة محاكمتهم أمام هيئة قضائية محايدة، تضمن حق المتهمين بمحاكمة عادلة.
إن الطريقة الوحشية التي مارستها السلطات السعودية من الإعلامي الشهير جمال خاشقجي ـ يرحمه الله ـ هي نفسها، وغيرها كثير يمارسها النظام المصري مع معارضيه، وخصوصًا من الإخوان المسلمين، ولا تستثني هذه الإجراءات الوحشية كبار السن، أو المرضى، والنساء، والأطفال، حتى الصحفيين والمحامين والحقوقيين!
كل هذا التضييق والممارسات الظالمة، والتدهور الاقتصادي، وأحكام الإعدام التي يُصدرها نظام السيسي ضد العديد من أفراد الشعب المصري، سيؤدي كله، لا محالة، إلى حالة من الانفجار والفوضى، لا تؤثر على مصر وحدها، بل ستطال المنطقة برمتها.
فهل تستفيق المنظمات الدولية، والجمعيات والهيئات الحقوقية، والدول المعنية، لما يحدث في مصر، من تدمير للإنسان المصري، أم إن المصالح تتغلب على القيم الإنسانية!
أضف تعليقك