بعد عشرين عامًا من احتلال الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وفي ظل محاولات التغييب والتذويب المكثفة للشعب الفلسطيني في سوق العمل وتحت هيمنة الكيان الصهيوني، اندلعت شرارة الانتفاضة الأولى؛ لتعطي دلالة قوية ساطعة أن الشعب الفلسطيني متجذر في أرضه، متمسك بهويته الوطنية، يأبى الاستسلام والانكسار لكل محاولات تشويه الوعي الوطني والعبث بالانتماء للأرض والقضية.
ففي مثل هذا اليوم، في الثامن من شهر كانون أول 1987، قبل 31 عامًا انتفض الشعب الفلسطيني في كل مدن ومخيمات وقرى الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، ليعيد القضية الفلسطينية الوطنية لواجهة الأحداث، وعلى رأس الأولويات بعد محاولات على مدار عشرين عامًا لتغييبها وإزاحتها عن الأجندات الدولية من خلال سياسة تدجين المجتمع الفلسطيني وعزله عن عمقه العربي والإسلامي، وسحقه ليصبح مجتمعًا هشًا مستسلمًا للكيان وسياساته الاستعمارية.
لقد مثّلت الانتفاضة محطة مهمة للمقاومة الفلسطينية في العصر الحديث، ورسخت الوحدة الوطنية عمليًا في الميدان، وعززت التعاون والتنسيق على كل المستويات، فكانت ثورة شعبية جماهيرية وحدوية تميزت بوحدة النسيج الاجتماعي المتين والعلاقات الأسرية القوية والتعاضد والتكافل، في ظل تفاقم القمع وتشديد الحصار والإغلاق والعقاب الجماعي والاعتقال الإداري وتكسير العظام، فاستمرت كالعنقاء تفضح وتعري قبح الاحتلال وتحاصره في كل مكان.
بعد واحد وثلاثين عامًا من انطلاقة ثورة الحجارة والتي عبدت بالدم والتضحيات، ما أحوجنا لهذه الوحدة ومتانة الصف والشراكة الحقيقية، وإعادة بناء المشروع الوطني على أسس متينة، خصوصا بعد مواقف الإدارة الأمريكية الأخيرة المتمثلة بتجريم المقاومة من خلال محاولة تمرير قرار يدين نضال الشعب الفلسطيني العادل، وإطلاق العنان لمشاريع التصفية النهائية للقضية، ومنح ما تبقى من أرض فلسطين ومقدساتها للصهاينة.
فما تتعرض له القضية الفلسطينية اليوم من مخاطرَ ومؤامراتٍ ترجمة عملية لصفقة القرن؛ تحتاج منّا لموقف حاسم وموحد من جميع أبناء شعبنا، كما برز في جهود التصدي للقرار الصهيوأمريكي، فلا مكان للتردد أو التراجع، فالأرض أرضنا، والقدس قدسنا، وأي محاولة لتزييف الواقع والتاريخ لن تنجح، ومشروع تحويل القدس كعاصمة للاحتلال وإنهاء حق اللاجئين بالعودة لن تمر مهما كلف ذلك من ثمن.
لقد مثّل المسجد للحركة الوطنية والإسلامية محورًا ومركزًا لانطلاق المسيرات والمواجهات مع العدو، وأبدع العقل الفلسطيني كعادته بإنتاج أفكار طليعية كالطعن والدعس والمولوتوڤ والأكواع والعبوات في الرد على بشاعة جرائم الاحتلال.
واستمر شعبنا الفلسطيني في كفاحه يطارد الاحتلال عبر محطات وانتفاضات وهبة النفق وانتفاضة الأقصى والقدس، وها هو يحاكي من جديد انتفاضة الحجارة عبر مسيرات العودة الكبرى، منطلقًا من المساجد، مستدعيًا سائر جماهير شعبنا وكل مكامن طاقاته وقوته وإبداعاته وتضحياته، فمثلت فسيفساء كفاحية استخدمت الأدوات والوسائل الإبداعية كالطائرات الورقية ووحدات الإرباك الليلي وقص السلك والبالونات الحارقة، وينتظر العدو الكثير الكثير إن لم يلتزم برفع الحصار عن كاهل شعبنا العظيم.
أمام هذه المواقف البطولية والتضحيات العظيمة والإصرار الكبير في ذكرى انتفاضة الحجارة ال31، تؤكد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على ما يأتي:
أولًا: تحيي الشعب الفلسطيني على صموده وثباته في القدس والضفة وغزة وال 48 واللاجئين في مخيمات الشتات والمنفى القسري في مواجهة المؤامرات، وتثمن تمسكهم بحقوقهم والتفافهم حول المقاومة، وتعاهدهم على المضي في هذا الطريق حتى النصر والتحرير.
ثانيًا: تشكر حركة حماس الدبلوماسية الفلسطينية على ما بذلته من جهد وكل الدول التي عملت على مواجهة هذا القرار وإفشاله، ووقفت إلى جانب مقاومة شعبنا وعدالة قضيته، وصوتت لصالح حق شعبنا في مقاومة المحتل، كما تطالب الحركة الدول التي وقفت مع الإدارة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي في الأمم المتحدة بمراجعة مواقفها، وتصويب هذا الخطأ التاريخي والخطير بحق شعبنا الفلسطيني المظلوم.
ثالثًا: دعمها الكامل لمسيرة العودة الكبرى، وتجدد العهد بالوقوف إلى جانب الحشود الثائرة، وتقديم كل وسائل الدعم والإسناد لاستمرارها حتى تحقيق كامل أهدافها.
رابعًا: المقاومة حق مشروع كفلته الشرائع السماوية والأعراف والقوانين الدولية، ولا سيما الكفاح المسلح الذي يمثل خيارًا استراتيجيًا لحماية القضية واسترداد الحقوق الوطنية الفلسطينية، ولا يمكن للبلطجة الأمريكية أن تحرم الفلسطينيين من هذا الحق المكفول دوليًا.
خامسًا: إن الأسباب التي أدت لاندلاع انتفاضة الحجارة ما زالت حاضرة، وما زال العدو يعربد ويتجبر بدعم وغطاء أمريكي سافر، وإن شعبنا ما زال متوثبًا للدفاع عن حقه، جاهزًا لدفع الثمن لمواجهة المخاطر التي تحدق بوطنه.
سادسًا: ترفض صفقة القرن وكل الحلول المطروحة التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية، وقضم الحقوق الوطنية والالتفاف عليها أو الانتقاص منها كما حاولت في الأمم المتحدة مؤخرًا.
سابعًا: تدعو الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإنهاء الإجراءات العقابية المفروضة على قطاع غزة الذي يتعرض لحصار مشدد وعمليات قمع وحرمان لا تتوقف، ويمثل خزانًا للثورة وبركانًا على الاحتلال ومشاريع تصفية القضية.
ثامنًا: إن وحدة شعبنا اليوم وبناء مشروعه الوطني على سلم أولويات الحركة، ومواجهة الاحتلال والتصدي لمشروعه الإحلالي التدميري لن يكون إلا بشراكة كاملة من جميع فصائلنا وقوانا الشعبية سياسيًا وعسكريًا ودبلوماسيًا كما حصل في التنسيق والتعاون بالتصدي للقرار الأمريكي.
تاسعًا: إن محاولات التطبيع والهرولة المحمومة نحو الاحتلال واستقبال مجرميه لن يكتب لها النجاح، وسيقف شعبنا في وجه المطبعين مهما كلف ذلك من تضحيات، فالكيان الصهيوني هو العدو وسرطان المنطقة زرع فيها لإفسادها، والتعامل معه كجزء طبيعي على أرض فلسطين وهو يقتل ويهجر ويدمر يعتبر خطيئة وطعنة في ظهر الشعب الفلسطيني ومقاومته لا يمكن أن يتهاون شعبنا وشعوب المنطقة معها.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.. الشفاء للجرحى الميامين.. الحرية لأسرى الحرية الأبطال.. العودة لكل اللاجئين إلى بيوتهم
ولن يهزمنا العدوان ولا الحصار ولا المؤامرات ولا الصفقات،
وإنه لجهاد جهاد نصر أو استشهاد
حركة المقاومة الإسلامية "حماس"
السبت 01 ربيع ثان 1440
الموافق 08 ديسمبر 2018م
أضف تعليقك