• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم قطب العربي

لم تعلن حركة السترات الصفراء إنهاء احتجاجاتها ضد الحكومة الفرنسية والتي بدأت منذ منتصف نوفمبر الماضي رغم أن الحكومة الفرنسية تراجعت وألغت قرارات الزيادات التي سبق الإعلان عنها في ضرائب الوقود، بل إن الحركة تستعد لتظاهرات جديدة في عطلة نهاية الأسبوع.

ثورة الفرنسيين إذًا مستمرة ضد ارتفاع تكاليف المعيشة عموما، وهي ثورة ضد المساس بالحدود الآمنة للرفاهية المجتمعية وقد عبر عنها ببساطة أحد المتظاهرين حين قال إنه يتقاضى راتبا 1500 يورو، وهذا الراتب لا يسمح له بتغيير سيارته “الميجان” منذ أربع سنوات كما لا يسمح له بالسفر خارج فرنسا، وأنه لا يستطيع التسوق عادة إلا من محلاح “كيابي” بينما يريد أن يتسوق مثل الأغنياء من محلات “جوسي”.

وبهذا الشكل تختلف مظاهرات الفرنسيين عن مظاهرات المصريين أو أي شعوب أخرى من دول العالم الثالث التي تريد توفير حد الكفاية أو حتى حد الكفاف، لكن على كل حال فهذا هو التطور الطبيعي، فالشعب الفرنسي الذي قاد العالم نحو الحرية في ثورته الأم في 1789 وحقق بعد تلك الثورة حد الكفاية، وتمتع بكامل حقوقه وحرياته، ووصل إلى مستوى عال من الرفاهية غير مستعد للتفريط في هذه الرفاهية التي دفع لها ثمنا باهظا من قبل.

أزعجت مظاهرات باريس النظم الديكتاتورية وخاصة نظام السيسي فسلط أذرعه الإعلامية لنهشها، وتخويف الشعب منها، ومن مآلاتها، وفي الخلفية أن مثل هذه المظاهرات تضغط على الوتر الحساس للمصريين الذين يعانون شظف العيش، ونكد ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، ولا يستطيعون مع ذلك التعبير عن غضبهم، والصورة التي حرص إعلام النظام على تصديرها وتسويقها للشعب هي الفوضى والانفلات الأمني والخراب الواسع وتفتت البلاد لو تحرك الشعب مدافعا عن لقمة عيشه.

لم تكتف تلك الأذرع الإعلامية بالتخويف من مظاهرات باريس، ووصف المتظاهرين بالعنف والهمجية وفقدان حب الوطن إلخ.. بل راحت توجه الاتهام صراحة للإخوان المسلمين بتغذية وتصعيد تلك المظاهرات والمشاركة فيها، وكان دليلهم على ذلك هو اللون الأصفر الذي صبغ به المتظاهرون ستراتهم، وهو ذاته اللون الأصفر الذي يرتديه متظاهرو الإخوان تذكيرا بمذبحة رابعة، وأيضا الهتافات التي رددها بعض المتظاهرين والمطالبة برحيل ماكرون، وهي ذاتها الهتافات التي يرددها الإخوان ضد السيسي، إلخ، وراح بعض الإعلاميين الموالين لنظام السيسي يقدمون النصائح للأمن الفرنسي بضرورة القبض على المتظاهرين، والتحقيق معهم لأنه سيكتشف ارتباطهم بجماعة الإخوان، والتنظيم الدولي ودللوا على ذلك بانتشار التوانسة والجزائريين والمغاربة والفلسطينيين وحتى بعض المصريين في باريس ممن ينتمون للإخوان المسلمين، يمكننا هنا أن نقدم للإعلام المصري دليلا جديدا وهو ظهور شعارات “الشعب يريد إسقاط النظام” مكتوبة باللغة العربية على جدار باريسي عتيق!!!!.

هذا الربط الإعلامي المصري بين الإخوان المسلمين ومظاهرات باريس وإن أراد تشويه سمعة الجماعة وتحريض السلطات الفرنسية ضدها، ودفعها لتقديم المزيد من الدعم لنظام السيسي، إلا أنه كان خدمة مجانية للإخوان حيث أظهرهم باعتبارهم المدافعين عن حقوق الشعوب، وأنهم أصحاب قوة وتأثير عابر للحدود، وزادت هذه الخدمة المجانية بعد انتصار المتظاهرين وفرضهم لمطالبهم على الحكومة، ولو أننا منحنا عقولنا عطلة واعتمدنا تقديرات الإعلام المصري فإننا سنصبح أمام انتصار كبير للإخوان المسلمين في قلب أوربا، وهو انتصار قابل للتمدد والتكرار في العواصم الأوربية الأخرى التي لحقت باحتجاجات باريس.

إذا كانت الظروف الاقتصادية في فرنسا قد دفعت لهذه المظاهرات فالوضع في مصر يستحق ما هو أكثر من هذه المظاهرات، إنه يحتاج إلى ثورة كاملة تطيح بحكم السيسي وتعيد للشعب حريته وكرامته، وتوفر له العيش الكريم، وإذا كان الفرنسيون قد نجحوا في فرض مطالبهم وارغموا الحكومة على التراجع عن قراراتها الماسة بــ “رفاهيتهم”، وإذا كان الأردنيون قد نجحوا أيضا في إرغام الحكومة قبل أشهر قليلة على التراجع عن قراراتها بزيادة طفيفة في الضرائب وأسعار الطاقة، وإذا كان التوانسة قد نظموا مؤخرا إضرابا شاملا لتحسين رواتبهم، فإن الشعب المصري ليس أقل من هؤلاء جميعا، والظروف التي يمر بها ليست أقل سوءا مما تمر به تلك الشعوب، ولذلك فإن المخاوف تنتاب السلطة الغاصبة وأذرعها الإعلامية وأجهزتها الأمنية خشية تحرك المصريين، الذي تتوفر له كل الأسباب.

ليس صحيحا ما تسوقه الأذرع الإعلامية من مخاوف عن الدمار الناتج عن كل الثورات، والمتوقع من أي تحركات شعبية، وليس صحيحا أننا أحسن من فرنسا بعد أن كنا من قبل أحسن من سوريا والعراق !!، وليس صحيحا أن الفقر وارتفاع الأسعار قدر مقدور، وعلى المصريين أن يتحملوه عن طيب خاطر، وليس صحيحا أن الصبر على مظالم النظام هو مفتاح الفرج، وليس صحيحا أن الإخوان هم المتضررون الوحيدون من هذا النظام، أو أن المعركة فقط بينهم وبين هذا النظام، وليس صحيحا أن المصريين شعب خانع، فقد ثار هذا الشعب عبر تاريخه مرات عديدة، كان آخرها ثورة يناير العظيمة التي رفعت قدر مصر على الصعيد العالمي، والتي منحت المصريين حرية وكرامة لم يتذوقوها من قبل ولا من بعد، والتي كان بوسعها أن تحقق لهم عيشا كريما لو كتب لها الاستمرار حيث كانت البيئة الاقتصادية جاذبة للاستثمارات مع توفر الشفافية وحكم القانون، وحين يهب الشعب المصري للتخلص من حكم العصابة الغاصبة فإن سيسترد حريته وكرامته، وسينقذ نفسه من براثن الفقر والنهب والاستغلال والتبعية، وسنغني جميعا “عظيمة يا مصر يا أرض النعم يا مهد الحضارة يا بحر الكـرم نيلك دا سكر جوك معطـــر بـــدرك منور بين الأمــم.

أضف تعليقك