بقلم: وائل قنديل
الصورة التي انتظرها المصريون أمس، ولم تأت: الرئيس المنقلب عليه محمد مرسي في القفص، متهمًا، والرئيس المخلوع بثورة يناير حسني مبارك، شاهدًا، بقضيةٍ وهميةٍ، موضوعها اقتحام الحدود مع غزة، والتوغل في العمق المصري حتى القاهرة لفتح السجون وإحداث ثورة.
تنتمي هذه الصورة إلى مسرح العبث السياسي والقيمي، إذ يقف رئيسان حقيقيان، متهمًا وشاهدًا، أمام قضاء قرصان وقاطع طريق استولى على السلطة بقوة السلاح، مدعومًا باقتحام صهيوني، وتوغّل سعودي إماراتي بالأموال، لإنجاح مؤامرة انقلاب وزير دفاعٍ على رئيس جمهورية، اعتبرت الإنتلجنسيا الصهيونية انتخابه كارثةً على الأمن القومي لإسرائيل، ورأت عواصم الخليج النفطي المعادي للثورات أن وصول رئيس عربي إلى الحكم بالانتخاب الديمقراطي، عقب ثورة شعبية، بمثابة زلزال سياسي واجتماعي، يهدد عروشًا عتيقة في استبدادها.
تقول مفردات الصورة، التي غابت بغياب مبارك عن جلسة المحكمة أمس، إن عبد الفتاح السيسي، المنقلب على الحكم، يحاكم رئيسه، حين كان وزيرًا للدفاع، ويأمر باستدعاء رئيسه الآخر، حين كان ضابطًا يذهب إليه بالتقارير الاستخبارية، شاهدًا في المحاكمة، ويلزمه قضاء الجنرال الصغير بحضور الجلسة المقبلة، بعد نزع الصفة العسكرية عنه وتصنيفه مدنيًا، وإلا فمصيره الحبس مجدّدًا إن لم يحضر.
قل ما شئت عن حسني مبارك، وزمن حسني مبارك، بما فيه من فساد وتبعية، وغياب للعدالة الاجتماعية، غير أنك لا تستطيع أن تنكر أن مبارك كان رئيسًا للبلاد، بمقتضى شرعيةٍ ما، سمّها شرعية يوليو 1952 أو شرعية أكتوبر 1973، سمّها ما شئت، لكنها في النهاية شرعية، وإن كانت لا تمت للديمقراطية بصلة.
كما يمكنك أن تكون مؤيدًا للرئيس محمد مرسي، أو رافضًا له، لكنك لا تستطيع أن تقفز على حقيقةٍ ناصعةٍ تقول إنه أول حاكم منتخب انتخابًا حقيقيًا في تاريخ مصر، وأول مدني يتولى رئاستها، متمتعًا بشرعيةٍ قانونيةٍ وثوريةٍ في آن معًا، جاء وميضًا خاطفًا في حلم المصريين بممارسة الديمقراطية التي تجعل الشعب مصدر السلطة، بشكل واقعي متحقق، وليس من باب مضغ الشعارات.
يدور كل ذلك الهرج على وقع المعركة الكبرى، التي فجرتها صورةٌ أخرى، أتت، لفنانةٍ مبتذلةٍ بنصفها العاري، ليشتبك الجمعان في ساحة الحرب، بعضهم يعتبر حقها في العري المبتذل نوعًا من التنوير الثوري، وآخرون يرون في معاقبتها انتصارًا للفضيلة، لنكون، في نهاية المطاف، أمام تعريف شديد الانحطاط للتنوير وللثورة الاجتماعية، ومفهوم أشد بؤسًا للفضيلة والأخلاق، فيما يخفت الكلام عن قضايا عشرات الآلاف من السجناء والمعتقلين السياسيين، يتقدّمهم رئيس جمهورية ورئيس برلمان ورؤساء أحزاب ومرشحون رئاسيون سابقون، وناشطون حقوقيون وسياسيون، بينما القرصان، مختطف السلطة، يواصل إعدام كل معنىً للثورة، وكل مدلول للفضيلة، وكل ملمحٍ من ملامح الحياة المحترمة على أرض مصر، من دون أدنى معارضةٍ أو مواجهة.
وعلى هذا، لا يمكن التسليم بأن إثارة زوابع من نوعية مهرجان فستان الفنان، أو فستان فنانة المهرجان، هي من باب إلهاء الناس عن أمورٍ يُراد تمريرها، ذلك أن أحدًا لم يعد يفكر في الوقوف بوجه جرّافة تدهس كل ما في طريقها، ومن ثم يبقى أن النظام يريد أن يكرّس في أذهان الكافة أن هذا هو المستوى المسموح به من المعارك في مصر، إذ يمكنك أن تشتبك بشأن قضايا من نوعية الميراث، والكود الأخلاقي لملابس الفنانات، لكن حذار أن تقترب من مواضيع الحريات السياسية والتغيير والحقوق الاقتصادية.
وفي كل الأحوال، الرابح الوحيد من إثارة معارك مصنوعة بكل هذه الحرفية هو النظام الحاكم، فإن انتصر لعري الفنانة فهو حامي حمى ثورة التنوير والحداثة، وإن عوقبت صاحبة الفستان فهو حارس الفضيلة والأخلاق.. ما هذا البؤس!
أضف تعليقك