بقلم: وائل قنديل
ذات صباح، ليس بعيدًا، كتب صديقي: الكويت تمثلني، كلنا شعب الكويت.
كان ذلك لمناسبة خبرٍ منشور تقول سطوره إن الكويت رفضت طلبا من رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني لزيارتها، في سياق التوغل الإسرائيلي غير المسبوق في الخليج العربي، وفي ذروة الأسى من وصول بنيامين نتنياهو إلى سلطة عمان.
في تلك الأثناء، تغزّل كثيرون في صلابة مواقف الكويت العصية على الاختراق التطبيعي، وفرادتها في تسجيل موقفٍ قومي أكثر سطوعًا، وجرت الأقلام واشتعلت لوحات المفاتيح بكلام عن عروبة الكويت وإنسانيتها وديمقراطيتها.
ولم تمض أيام قلائل على تظاهرة حب الكويت هذه، حتى ذاع خبر على مواقع التواصل الاجتماعي، عن تعرّض سيدة مصرية للاعتداء والإهانة على يد سيدات كويتيات، وتطوّر الأمر إلى تصريحات عنترية من وزيرة الهجرة المصرية، ثم دخلت على خط المواجهة نائبة كويتية، بالمصادفة وكما قيل فلسطينية الأصل، لتصبّ زيتًا على النار، فيندلع حريقٌ هائلٌ يلقي فيه كل طرفٍ بما لديه من حطب الشوفينية والعنصرية، فتتحوّل الكويت، التي كانت مضرب المثل في الإنسانية والالتزام بالنهج القومي السليم، من دولةٍ وشعب جديرين بكل الاحترام والثناء إلى موضوع للكراهية والسخرية، وتمتد حبال المعايرة بحدود التاريخ والجغرافيا والعمر الحضاري والسياسي، وتسمع وتقرأ بذاءات وسخائم، من الذين كانوا قبل أيام يردّدون: كلنا الكويت.. شكرًا شعب الكويت.
تستطيل المفارقات الساخرة وتتعمق أكثر، عندما يبني بعضُهم هجومه على النائبة الكويتية، التي أشعلت الحريق الشوفيني السخيف، منطلقًا من أنها فلسطينية الأصل، لتنتقل فلسطين، فجأة، من كونها سببًا وجيهًا لشكر الكويت، حكومة وشعبًا، إلى وقود إضافي للبذاءة والسخرية وممارسة الحد الأقصى من العنف الشوفيني.
هنا، يتم إعلان حالة الاستنفار في ترسانة الوطنية الزائفة، الفاسدة البائسة، ليرتدي كل الذين ابتذلوا الوطن وأهانوه ورخّصوه على عتبات الممولين والمانحين، ويمتشقوا "الدفاتر"، ويعلنوها حربًا لا تنطفئ، لتصبح الكويت هي "أهل الشر" الذين كانوا جهلة فعلمتهم مصر، وكانوا ضائعين ومحتلين فحرّرتهم مصر..إلى آخر هذه القائمة الوضيعة في لعبة التنابز بالأوطان والتواريخ.
وأزعم أن هذه الحالة من الهيستيريا الشوفينية هي صناعة حكومات وأجهزة، تعرف كيف تستعمل الذهنية الجمعية وتحرّكها وتوجهها إلى حيث تريد، وهي أيضًا نتاج عملٍ دؤوبٍ لأعداء يجيدون إشعال الحرائق بين الشعوب العربية، كما جرى ويجري في حروب كرة القدم، مثلًا، التي يخوضها عربٌ ضد عرب، بإشارةٍ وتفعيلٍ من أجهزة رسمية، تستثمر في هذا الطقس العنيف من العنصرية والوطنية المبتذلة، استدراجًا للشعوب إلى ساحات المعارك الرخيصة، وإنهاكًا لها في حروبٍ عبثية، فلا يبقى هناك من يهتم بالأساسي والحقيقي من قضايا المواطن العربي الفعلية، بحيث يصل إلى حالةٍ من التشنج دفاعًا عما يقولون له كرامة الوطن المهانة من الأطراف الخارجية، فيما تتواصل عمليات إهانة الوطن والمواطن واحتقارهما في الداخل، من دون أن يلتفت أحد، وكيف له أن يلتفت والوطن في حرب ضد أوغاد الخارج؟ المصطنعين، بمعرفة سلطات شريرة، والذين يكونون، للأسف، من الأشقاء القريبين والإخوة البعيدين، بينما الأعداء الحقيقيين، يتحولون إلى مواد مساعدة على الاشتعال، وأدوات يحارب بها الشقيق شقيقه، في أحيان أكثر.
انظر إلى ردود الفعل، المصرية، نموذجًا، على تصريحات الصهيوني، إيدي كوهين، التي اتهم فيها رئيس السلطة الانقلابية في مصر بأنه صهيوني أكثر من الصهاينة، ستجد الصمت المشين.
وانظر إلى انتفاضة الوطنية المزيفة ضد التصريحات الغبية للنائبة الكويتية، وقارن لتكتشف أن العرب يستمتعون بالحروب الشوفينية، المصنوعة، بين بعضهم بعضا، بينما يتلذّذون بالدونيّة والخزي أمام الأعداء الفعليين.
أضف تعليقك