شيخ قعيد ذو همة أحيا الله به أمة، هو الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أصابه الشلل صغيرا وذاق طعم المعاناة وألم السجون وقسوة الاحتلال، فما لانت عزيمته ولا ضعف صبره، وظل قابضا على الجمر يهز الملايين بصوته المبحوح، ويقض مضاجع المحتلين بكرسيه المتحرك، حتى اغتالته طائرات صهيونية عقب خروجه من صلاة الفجر.
ولد أحمد إسماعيل ياسين في يونيو 1936، في قرية تاريخية عريقة تسمى جورة عسقلان، وهو العام الذي شهد أول ثورة مسلحة ضد النفوذ الصهيوني المتزايد داخل الأراضي الفلسطينية.
وقبل أن يبلغ أحمد الخامسة من عمره، توفي والده. وفي عام 1952 وهو في السادسة عشرة من عمره تعرض لحادثة خطيرة أثرت في حياته، فقد أصيب بكسر في فقرات العنق أثناء لعبه مع بعض أقرانه، وبعد 45 يوما من وضع رقبته داخل جبيرة من الجبس اتضح أنه أصيب بالشلل.
كما أصيب بأمراض أخرى عديدة، منها: فقدان البصر في العين اليمنى بعدما أصيبت بضربة أثناء التحقيق على يد المخابرات الصهيونية أثناء سجنه، وضعف شديد في قدرة إبصار العين اليسرى، والتهاب مزمن بالأذن وحساسية في الرئتين وبعض الأمراض والالتهابات المعوية الأخرى.
والتحق أحمد ياسين بمدرسة الجورة الابتدائية وواصل الدراسة فيها حتى الصف الخامس، لكن النكبة التي ألمت بفلسطين وشردت أهلها عام 1948 لم تستثن هذا الطفل الصغير، فقد أجبرته على الهجرة بصحبة أهله إلى غزة، وهناك تغيرت الأحوال وذاقت الأسرة -كمعظم المهاجرين آنذاك- مرارة الفقر والجوع والحرمان، وترك ياسين الدراسة لمدة عام (1949-1950) ليعين أسرته المكونة من سبعة أفراد بالعمل في أحد مطاعم الفول في غزة، ثم عاود الدراسة مرة أخرى.
أنهى دراسته الثانوية في العام الدراسي 1957/1958 ونجح في الحصول على فرصة للعمل مدرسا رغم الاعتراض عليه في البداية بسبب حالته الصحية، وكان معظم دخله من مهنة التدريس يذهب لمساعدة أسرته.
واعتنق الشيخ أحمد ياسين أفكار جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر على يد الإمام حسن البنا عام 1928، والتي تدعو إلى فهم الإسلام فهما صحيحا والشمول في تطبيقه في شتى مناحي الحياة.
وشارك ياسين وهو في العشرين من العمر في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجا على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1956، وأظهر قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة، حيث نشط مع رفاقه في الدعوة إلى رفض الإشراف الدولي على غزة، مؤكدا ضرورة عودة الإدارة المصرية إلى هذا الإقليم.
وفي عام 1965 اعتقلته المخابرات المصرية ضمن حملة الاعتقالات التي شهدتها الساحة السياسية المصرية واستهدفت كل من سبق اعتقاله من جماعة الإخوان المسلمين عام 1954، وظل حبيس زنزانة انفرادية قرابة شهر، ثم أفرج عنه بعد أن أثبتت التحقيقات عدم وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الإخوان.
وأقض النشاط الدعوي للشيخ أحمد ياسين مضاجع السلطات الصهيونية فأمرت عام 1982 باعتقاله، ووجهت إليه تهمة تشكيل تنظيم عسكري وحيازة أسلحة، وأصدرت عليه حكما بالسجن 13 عاما، لكنها عادت وأطلقت سراحه عام 1985 في إطار عملية لتبادل الأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة.
واتفق الشيخ أحمد ياسين عام 1987 مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي الذين يعتنقون أفكار الإخوان المسلمين في قطاع غزة على تكوين تنظيم إسلامي لمحاربة الاحتلال الصهيوني بغية تحرير فلسطين، أطلقوا عليه اسم "حركة المقاومة الإسلامية" المعروفة اختصارا باسم "حماس"، وكان له دور مهم في الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت آنذاك واشتهرت بـ"انتفاضة المساجد".
ومع تصاعد أعمال الانتفاضة بدأت السلطات الصهيونية التفكير في وسيلة لإيقاف نشاط الشيخ أحمد ياسين، فقامت في أغسطس 1988 بمداهمة منزله وتفتيشه، وهددته بالنفي إلى لبنان. ولما ازدادت عمليات قتل الجنود الصهاينة واغتيال العملاء الفلسطينيين قامت سلطات الاحتلال يوم 18 مايو 1989 باعتقاله مع المئات من أعضاء حركة حماس.
وأصدرت إحدى المحاكم العسكرية في 16 أكتوبر 1991 حكما بسجنه مدى الحياة إضافة إلى 15 عاما أخرى، وجاء في لائحة الاتهام أن هذه التهم بسبب التحريض على اختطاف وقتل جنود صهاينة وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والأمني.
وحاولت مجموعة فدائية تابعة لكتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحماس- تخليص الشيخ ياسين وبعض المعتقلين المسنين الآخرين، فقامت بخطف جندي صهيوني قرب القدس يوم 13 ديسمبر 1992 وعرضت على الاحتلال مبادلته بأولئك المعتقلين، لكن السلطات الاحتلالية رفضت العرض وقامت بشن هجوم على مكان احتجاز الجندي مما أدى إلى مصرعه ومصرع قائد الوحدة الصهيونية المهاجمة ومقتل قائد مجموعة الفدائيين.
وأفرج عن الشيخ في 1 أكتوبر 1997، في أعقاب محاولة فاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في العاصمة عمّان، وإلقاء السلطات الأمنية الأردنية القبض على اثنين من عملاء الموساد سلمتهما للاحتلال مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين.
وفرضت السلطة الفلسطينية أكثر من مرة على الشيخ أحمد ياسين الإقامة الجبرية مع إقرارها بأهميته للمقاومة الفلسطينية وللحياة السياسية الفلسطينية.
وتعرض ياسين في 6 سبتمبر 2003 لمحاولة اغتيال ، حين استهدفت مروحيات صهيونية شقة في غزة كان يوجد فيها مع إسماعيل هنية، لكنه أصيب فقط بجروح طفيفة في ذراعه اليمنى.
واستشهد الشيخ أحمد ياسين فجر 22 مارس 2004 إثر إطلاق مروحية أباتشي ثلاثة صواريخ عليه وهو خارج على كرسيه المتحرك من مسجد المجمّع الإسلامي في حي الصّبرة بقطاع غزة.
أضف تعليقك