شيخ المجاهدين البطل الليبي عمر المختار، قاوم الاحتلال الإيطالي لبلاده فقاد ضده مئات المعارك ما بين 1911-1931، أسره الإيطاليون وعقدوا له محاكمة صورية قضت بإعدامه شنقا.

ولد عمر بن المختار بن عمر المنفي عام 1862 في قرية جنزور (منطقة الجبل الأخضر ببرقة) شرق ليبيا لأسرة تنتمي إلى قبيلة "المنفة". توفي والده حاجّاً بمكة، فتولى الشيخ حسين الغرياني (شيخ زاوية جنزور السنوسية) رعايته بوصية من أبيه، فأدخله مدرسة القرآن الكريم بالزاوية.

والتحق المختار بمعهد واحة الجغبوب التي كانت آنذاك عاصمة للدعوة السنوسية شرق ليبيا، فدرس فيه -مدة ثماني سنوات- العلوم الشرعية من فقه وحديث وتفسير.

وتميز بثقافة دينية عميقة وبشخصية قيادية عززتها نشأته في الصحراء حيث خبر القبائل وحروبها، وتعلم وسائل فض الخصومات البدوية، كما أصبح ماهرا بمسالك الصحراء.

وتربى عمر المختار منذ صغره على مبادئ الدعوة السنوسية ذات المنزع العلمي الجهادي، وهو القائل في ولائه لها: "إن قيمتي في بلادي -إذا ما كانت لي قيمة أنا وأمثالي- مستمدة من السنوسية".

وحاز المجاهد عمر المختار ثقة مشايخ الدعوة السنوسية، فأسند إليه محمد المهدي السنوسي (شيخ الدعوة) مشيخة "زاوية القصور" بالجبل الأخضر 1897، كما اختاره ليرافقه إلى تشاد لما قرر نقل قيادة الزاوية السنوسية إليها 1899، ثم عُين شيخا لزاوية عين كلكة هناك فساعد في نشر تعاليم الإسلام بتلك المناطق، ثم عاد إلى الجبل الأخضر سنة 1906 فتولى مجددا مشيخة "زاوية القصور"، وفيما بعد أصبح قائدا لمعسكرات السنوسية بالجبل الأخضر.

وأثناء وجود المختار بتشاد، شارك في المعارك التي خاضتها كتائب السنوسية 1899-1902 ضد الفرنسيين الذين احتلوا المنطقة، وكانت لا تزال وقتذاك ضمن الأراضي الليبية.

وفي سنة 1908 دُعي المختار للمشاركة في المعارك بين السنوسيين والقوات البريطانية على الحدود الليبية المصرية.

وفي 29 سبتمبر 1911 أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية التي كانت ليبيا حينذاك جزءا منها، وبدأت السفن الحربية تقصف مدن الساحل الليبي، فسارع عمر المختار بالعودة إلى "زاوية القصور" لتنظيم حركة الجهاد ضد الغزاة الإيطاليين، فشارك في معركة السلاوي أواخر 1911.

وتولى قيادة "المجلس الأعلى" للعمليات الجهادية الذى أدار أعظم المعارك في التاريخ الليبي مع المحتلين الإيطاليين، خاصة بعد انسحاب الأتراك من البلاد 1912 بموجب معاهدة لوزان التي تخلوا فيها لإيطاليا عن ليبيا.

وألحق المجاهدون - بقيادة عمر المختار - بالغزاة هزائم مريرة، فقتلوا مئات الضباط والجنود، وخاضوا مئات المعارك في حرب استمرت عشرين سنة.

وحين انسحب السنوسيون من ليبيا إلى مصر 1922، ظلت الحرب قائمة بقيادته، وعندما حاصره المحتلون سنة 1926 في الجبل الأخضر لجأ إلى حرب العصابات فأجبرهم على طلب مفاوضته سنة 1929، لكنه رفض مطالبهم بوقف القتال والخروج من البلاد واستأنف قتالهم.

وفي إحدى المعارك سنة 1931 وبعد يومين من القتال المستميت وقع عمر المختار أسير في يد الإيطاليين، يوم 11 سبتمبر 1931 بعد اشتباك مع قواته، وقدموه لمحاكمة عسكرية صورية في بنغازي حكمت عليه بالإعدام شنقا، فنفذ فيه الحكم -أمام آلاف الليبيين- صباح يوم 16 سبتمبر 1931.

وفي ذات الوقت، سجل التاريخ كلماته الأخيرة قبيل إعدامه عندما قال للضابط الإيطالي الذي كان يحقق معه: "نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت، وهذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي".

وفي سبتمبر 2008 انحنى رئيس الوزراء الإيطالي وقتها سيلفيو برلسكوني أمام محمد نجل عمر المختار معتذرا عن فظائع بلاده بحق الشعب الليبي، وقورنت صورة إنحائه ذلك بصورة التقِطت لعمر المختار مكبلا بالأغلال قـُبيل إعدامه.

واستلهم الليبيون في ثورة 17 فبراير 2011 -وفي الذكرى المائة للاحتلال الإيطالي- تجربة عمر المختار الجهادية، فأطلقوا اسمه على جماعات مشاركة في المظاهرات الشعبية، ثم على ألوية عسكرية قاتلت كتائب العقيد الراحل معمر القذافي، كما ضمّنوا عَلمه الأسود ذا النجمة والهلال في علم الدولة بعد نجاح الثورة.

ووُثقت قصة كفاح المختار في فيلم شهير للمخرج مصطفى العقاد بعنوان "أسد الصحراء"، أنتج سنة 1981 وأدى فيه الممثل أنتوني كوين دور عمر المختار.