بقلم: عامر شماخ
عشرات الألوف، وربما مئات الألوف، ضحايا الأنظمة العربية البائسة، ما بين قتيل وجريح، ومصاب ومطارد، وسجين ومحبوس هم أهل الرأى وذوو الإصلاح، المخلصون من مواطنى جمهوريات وممالك يحكمها فراعنة لا يرقبون فى مؤمن إلا ولا ذمة؛ ما جعل هذه المنطقة الآن هى أخبث بقاع الأرض، رغم خيراتها وما حباها الله من نعم..
وقد سلّطت قضية الصحفى السعودى جمال خاشقجى الضوء على سلوك هؤلاء الحكام المجرمين، فالرجل أنار الله عقله وأحيا ضميره، وبعدما قضى عقودًا من عمره فى موالاة هؤلاء الظالمين، قام -مؤخرًا- بنصحهم بالتى هى أحسن، لم يكن عنيفًا ولا متطرفًا، بل كان يتحدث بالمنطق، وينصح بالود والحجة، لكن أنى لهؤلاء أن يقبلوا نصح ناصح، وأنى لمواطن فى مملكتهم أن ينقدهم ويقيم عليهم الحجة؟! إن الأرض أرضهم، والحكم حكمهم، ولولا عار قد يلحق بهم لقالوا إنما نحن الذين نرزق الناس ونحييهم ونميتهم من دون الله!!
لقد فر (جمال) من بلده للنجاة من السجن أو القتل، لكنهم لم يتركوه وشأنه، وهو كما قلت شخص مسالم لا يرفع فى وجه خصمه سوى قلمه وبيانه -قيل إنهم طلّقوا منه امرأته وأبقوها فى المملكة؛ أى منعوها من السفر إليه، وضيّقوا على إخوته وأولاده، بل سجنوا بعضهم. ثم كانت (العملية الكبرى)، وهى استدراجه إلى قنصليتهم فى إسطنبول ثم قتله والتخلص منه. والروايات كثيرة فيما يخص تلك الحادثة البشعة، فقد قيل إنهم -خمسة عشر مجرمًا- حققوا معه، ثم قاموا بتعذيبه، ثم قتلوه صبرًا -وهو أخس أنواع القتل- أى قاموا بقطع أعضائه عضوًا عضوًا بالمنشار… يا الله! لم كل هذا؟ ماذا فعل الرجل بكم حتى تفعلوا به ما نهت عنه الشرائع والأعراف بل تأنفه البهائم؟ ألم يكن كافيًا أن تقوموا بتهريبه -وهذا لن يعجزكم- إلى مملكتكم الظالمة ثم تسجنونه أو تفرضون عليه إقامة جبرية. من الذى أمر بهذا؟ ولماذا؟ وكيف ماتت ضمائر خمسة عشر رجلاً فى وقت واحد وهم من ذوى المناصب والتعليم المتميز؟ لماذا باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم وفعلوا ما لم تفعله الجيوش فى ساحات الحروب؟
انكشفت إذًا هذه الأنظمة، وانكشفت معها شعوبها كذلك؛ تلك الشعوب التى ألفت الصمت، ورضيت بالدون، وعاشت فى أكناف أقزام الأرض، يخافونهم ويركنون إليهم. ليس للإنسان العربى قيمة لدن حكامه، ولا فرق فى ذلك بين صحفى ودهماء، الجميع ملك لهؤلاء الشياطين الذين يسمون -زورًا- رؤساء وسلاطين وملوك وأمراء. نادى هؤلاء فى شعوبهم بأنهم يملكونهم ضمن تلك البقاع التى يفرضون عليها سلطانهم، والآخرون -أى الشعوب- رضوا بهذه القسمة!! حقراء منزوعو الضمير يحيون ويميتون من يشاءون، ويعطون ويحرمون من يشاءون، ويبيعون ويشترون ما يشاءون، وعبيد ليس لهم صوت إلا صوت النهيق بالتأييد لهذه الطغمة، أو صوت تصفيقهم وصفيرهم حال مرور هؤلاء الأوغاد.
إننا على يقين تام بأن هذا الوضع المخزى لن يستمر، وأننا نعيش بداية النهاية لتلك الوجوه الغبرة؛ لأن ما كان مخفيًا قد انكشف، والشعوب الآن رغم ما هى عليه من بلادة وخور؛ فإن بها طائفة من شبابها ورجالها ونسائها قد عقلوا القضية، واستوعبوا دروس الماضى، وهم الآن فى رباط حتى يأتى الله بأمره، يراهنون على يقظة الأمة بعد هذا السبات الطويل، وإن هى إلا سنوات قليلة من عمر الزمن حتى تنزاح تلك الغمة، وتعود الأمة إلى سابق عهدها من الهيبة والجلال..
لقد انفتح ملف هذه الأنظمة ولن يغلق حتى تحتويها مزبلة التاريخ، وإذا كانت قضية «خاشقجى» قد أربكتها وهزتها هزًا، فإن هناك ألوفًا من مثل هذه القضية سوف يرفع عنها الستار، بفضل الله أولا الذى خلق «قانون التدافع» كى لا تفسد الأرض، ثم بفضل وسائل الاتصال الحديثة التى قرّبت المسافات، وأعلنت المستور، ولا زالت تلاحق المجرمين فى عقر دارهم حتى تقدمهم لعدالة الشعوب، خزايا مفتونين، لا ناصر لهم ولا معين.
أضف تعليقك