بقلم..وائل قنديل
فيما ينشغل العالم كله بقضية الشهيد جمال خاشقجي، وتندلع الأسئلة والتكهنات بشأن جسده الذي مزّقته كلاب متوحشة، قفزت للتو من خرائب تاريخ الطغيان، تدور مأساةٌ حضاريةٌ أخرى على كوكبنا التعيس، بطلها نقيب الصحافيين المصريين، والباحث الاستراتيجي في مركز الأهرام للدراسات، سابقًا، ورئيس هيئة الاستعلامات المصرية، حاليًا، ضياء رشوان، وموضوعها سائح بريطاني لقي حتفه في مصر، فعاد جثمانه إلى بلاده منقوصًا القلب والكليتين وجزءا من الأمعاء.
كان من الممكن أن تمرّ هذه الحادثة بشكل اعتيادي، سائح أجنبي مات، وسلطات البلد المضيف اشتبهت في أسباب الوفاة، فقرّرت تشريح الجثة، قبل السماح بسفرها، غير أنه في بلد العجائب حدث أن انتزعوا قلبه، فأرسلوه إلى القاهرة، واستأصلوا الكليتين، فأرسلوهما إلى أسيوط، مع جزء من الأمعاء، فيما شحنوا الجثمان إلى بريطانيا.
أما العبثي والأسطوري، واللامعقول بعينه، فقد تكفل به السيد ضياء رشوان الذي انبرى للتعليق على الكارثة، معلنًا أنه سيتم إرسال قلب السائح وكليتيه إلى أهله في بريطانيا غدًا (يوم الاثنين الماضي)، معتبرًا أن الخطأ الوحيد الذي وقعت فيه السلطات المعنية في مصر أنها لم تخبر أسرة السائح بأنها انتزعت معظم أعضاء جسده لتحليلها، أمام امتهان جسدٍ ميتٍ واللعب بأعضائه، فهذا كله لا يعتبره نقيب صحافيي مصر السابق مشكلة.
لا تتوقف الكوميديا السوداء عند هذا الحد، بل يأبى ضياء رشوان إلا أن يضيف المزيد على المهزلة، حين ظهر في اليوم التالي (كان مقررًا فيه إرسال الأعضاء المنزوعة إلى بريطانيا بمعرفة السلطات المصرية)، ليشرح ويوضح أن الأعضاء المنزوعة توزّعت على أكثر من محافظة مصرية، لأن مصر، على حد قوله، ليست أوروبا، ولديها أزمة معامل ومختبرات، مطمئنًا الجميع بأن القلب والكليتين والأمعاء ستكون في حوزة السلطات المحلية في محافظة البحر الأحمر، ويمكن لمن يهمه الأمر التوجه لاستلامها من هناك، قاصدًا بالطبع أسرة السائح وسفارة بلاده.
وكرّر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، قال، في مداخلةٍ تلفزيونيةٍ، إن الخطأ في واقعة السائح البريطاني هي أن أهله لم يعلموا قبل شحن الجثمان بأنه تم سحب عيناتٍ من جثمانه للتشريح والوقوف على أسباب الوفاة.
بين عشيّةٍ وضحاها، نسف ضياء رشوان كلامه بأن السلطات المصرية سترسل أعضاء الميت (غدًا)، وتبدل الموقف ليصبح على المتضرّر أن يأتي بنفسه لاستلام الأجزاء الناقصة من السائح، يحدث هذا في بلد يدّعي أنه يكافح من أجل تحسين سمعته السياحية، واستعادة السائح الذي بحث عن وجهات أخرى.
لكن الأفدح من ذلك كله أن المتحدّث شخص كانت الجماعة الصحافية المصرية، وبمنتهى السذاجة، تسانده في المنافسة على موقع نقيب الصحفيين المصريين، ضد ابن النظام مكرم محمد أحمد في انتخابات 2009، على اعتبار أن ضياء مرشّح تيار المعارضة والاستقلال والتجديد وبلا بلا بلا..
مرت تسع سنوات وجاءت 2018، ليكتشف الجميع أن ضياء رشوان الذي يرأس هيئة الاستعلامات الآن، هو النظام نفسه الذي يشتري مكرم محمد بقاءه بخدمته.
ما الذي يدفع باحثًا معروفًا ونقيبًا سابقًا للصحافيين، لكي يتنازل عن وقاره الأكاديمي، ويتحوّل إلى بوق عكاشي، يهرف بخطاب مثير للأسى، لدولة عكاشية، بات العالم محتارًا بين الشفقة عليها والسخرية منها؟.
أضف تعليقك