الأستاذ محمد مهدي عاكف - المرشد السابع للإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه..
قال تعالى ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18)﴾ (التوبة)، وأخرج مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ".
إلى هذا الحد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظرون إلى جماعة المسجد على أنها فرقان بين المؤمن والمنافق، وكان المريض منهم يُحمَل إلى المسجد حملاً وهو غير قادر على المشي!.
والأدلة على فضل جماعة المسجد كثيرة لا تخفى عليكم أيها الإخوان المسلمون، حتى إن أحد الصحابة كان منزله أبعد ما يكون عن المسجد، فقيل له: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ! قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ".
ضيافة روحية
إن السائر إلى المسجد للصلاة يمشي ذهابًا وإيابًا في ضيافة الله، وأكرم بها من ضيافة تمتلئ منها القلوبُ سكينةً، وتؤوب منها الأرواحُ راضيةً سعيدةً، وتنقلب منها الصدورُ منشرحةً مسرورةً، وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ" (متفق عليه)، وذكر صلى الله عليه وسلم الْكَفَّارَاتِ فقال: "الْكَفَّارَاتُ: الْمُكْثُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَالْمَشْيُ عَلَى الأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكَارِهِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" (الترمذي).
الله يفرح بعبده المعتاد على المسجد والجماعات:
قال صلى الله عليه وسلم: "مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلاَةِ وَالذِّكْرِ إِلاَّ تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِم" (ابن ماجة).
حذار من الصلاة في البيوت وهجران المساجد!!:
لهذا كان من توجيهات الإخوان: المحافظة على صلاة الجماعة، وإعمار المساجد بالذكر والصلاة، وعدم التماس الرخص لترك الجماعة في المسجد إلا لعذرٍ قاهرٍ، فقد اشتكى ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأعمى لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كِبَر سنه وعمى بصره وفقد القائد الملازم، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ"؟ قال: نَعَمْ. قَالَ: "مَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً" (ابن ماجة).
ولذلك فإن عليك أيها الأخ المسلم أن تخرج إلى المسجد لصلاة الجماعة، مهما تكن الظروف، ولو غلب على ظنك أنك لن تدرك الجماعة الأولى؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا أَعْطَاهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلاَّهَا وَحَضَرَهَا، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَجْرِهِمْ شَيْئًا" (أبو داود).
المسجد وصلاة الجماعة أهم مسارات الدعوة:
إن دعوتنا أيها الإخوان هي دعوة الإسلام التي تنطلق من المسجد؛ حيث ترتبط القلوب وتتحابُّ في الله، وقد كان مما يوصي به الإمام حسن البنا رحمه الله الإخوان في كل شعبة أو منطقة لزيادة الترابط؛ أن يحرصوا على صلاة الفجر معًا جماعةً مرةً كل أسبوع على الأقل في المسجد.
كما أن صلاة الجماعة التي نؤديها في اليوم خمس مرات ليست إلا تدريبًا يوميًّا على نظامٍ اجتماعيٍّ عمليٍّ، امتزجتْ فيه محاسنُ النظم المختلفة؛ إذ يحقق معنى المساواة، ويقضي على الفوارق والطبقات والعنصرية، ويحقق الوحدة والنظام في الإرادة والمظهر على السواء، ويُعَوِّد المؤمنَ على تصويب المخطئ حتى لو كان هذا المخطئ هو الإمام، ويعوِّد الإمام المخطئ على تصحيح خطئه والنزول عند الصواب، أيًّا كان من أرشده إليه، فماذا بقي بعد ذلك للنظم المختلفة من فضلٍ على الإسلام وقد جمع محاسنها جميعًا واتقى كل ما فيها من سيئات؟!
ثم إن المحافظة على الجماعة تغرس في المؤمن روح الإيجابية، وتنزع منه صفة السلبية واللا مبالاة، وتدفعه إلى التحقق بالإسلام عمليًّا، والعمل له وإرشاد الدنيا إلى سبيل الخير الذي جاء به، يقول الأستاذ البنا: "ومن هنا أيها الإخوة رأينا أخلاء المسجد، وأنضاء العبادة، وحفظة الكتاب الكريم، بل وأبناء الروابط والزوايا من السلف رضوان الله عليهم؛ لا يقنعون باستقلال بلادهم، ولا بعزة قومهم، ولا بتحرير شعوبهم، ولكنهم ينسابون في الأرض، ويسيحون في آفاق البلاد، فاتحين معلمين، يحررون الأمم كما تحرَّروا، ويهدونها بنور الله الذي اهتدوا به، ويرشدونها إلى سعادة الدنيا والآخرة، لا يَغُلُّون ولا يغدرون، ولا يظلمون ولا يعتدون، ولا يستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا".
فإلى المساجد أيها الأحباب، أعمروها بالجماعات والصلوات والذكر والقرآن، واختلطوا فيها بالكرام من جماهير أمتكم، وانطلقوا منها بالدعوة والتوجيه والإرشاد للدنيا بأسرها، وعودوا إليها مع كل نداءٍ بالصلاة تغسلون أرواحكم، وتستأنفون حركتكم ونشاطكم، والله معكم، ولن يتركم أعمالكم.
والله أكبر ولله الحمد المرشد العام وحديث من القلب
أضف تعليقك