وائل قنديل
قبل أن يشد عبد الفتاح السيسي الرحال إلى نيويورك، هذه المرّة، يتزود بالآتي:
- حكم قضائي بإعدام 75 مواطنًا مصريًا (بينهم واحد يحمل الجنسية الأميركية) متبوع بأوسع عملية قرصنة وسطو على أموال وممتلكات المحكومين بالإعدام، إضافة إلى آلاف الأشخاص الآخرين.
- اعتقال ومصادرة أموال كل ألوان الطيف السياسي، من الذين أعلنوا موقفًا معارضًا، أو طرحوا رؤىً ومبادراتٍ للخروج من حالة الانسداد السياسي الراهنة، لينضمّ هؤلاء إلى قائمةٍ طويلةٍ، تبدأ برئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق، سامي عنان، ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، هشام جنينة.
- إعادة اعتقال جمال وعلاء مبارك، مع عدد من المستثمرين، على ذمة قضية التلاعب بالبورصة، لتخرج بعدها أصوات النظام لتتحدث عن تحالف بين ابني حسني مبارك والإخوان المسلمين.
باختصار، يتعامل نظام السيسي مع المصريين باعتبارهم مجموعة من الرهائن الذين يحتجزهم حماية للعالم من أخطارهم، وبالتالي لا يحدّثه أحد عن ديمقراطية أو حرية أو احترام لحقوق الإنسان.
مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تصور السيسي أنه لم يعد في حاجةٍ إلى دفع ثمن تذكرة الذهاب إلى نيويورك، للقاء الرئيس الأميركي على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، لم يعد مضطرًا للتحايل على المجتمع الدولي بقرارات إطلاق سراح معارضين، من خارج تيار الإسلام السياسي، سواء بعفوٍ رئاسي، أو قرارات جهاتٍ قضائيةٍ مسيسةٍ بشكل كامل.
يبدو الوضع، هذا العام، مختلفًا، فقبل أيام من الزيارة، كان تسريب الصحافي والمحقق التاريخي، بوب وودورارد، لصورة السيسي في عين ترامب بوصفه "قاتلًا لعينًا"، بالتزامن مع الفشل الذريع في أداء الدور المكلف به لمساومة الفلسطينيين على صفقة "الاقتصاد مقابل التنازل عن المقاومة"، ناهيك عن أن ترامب يتعثر في أوحال فشله، وفضائح نظامه، فماذا يفعل السيسي والحال كذلك؟
قرّر الجنرال العودة إلى اللعب بورقة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، ليقول للأوروبيين والعالم إنه يمارس القتل والقمع والطغيان على الشعب المصري، كي يحمي أوروبا والكون كله من أخطار المهاجرين الأوغاد الذين ينقلون إلى العالم المتحضّر التطرّف والإرهاب.
في ثلاثة أيام، استقبل السيسي رئيس المجلس الأوروبي ومستشار النمسا ورئيس مجلس النواب الإيطالي، وما أعلن عن اللقاءات الثلاثة لم يخرج عن موضوع واحد، هو محاولة السيسي تسويق نفسه للأوروبيين باعتباره الشرطي الأمين الذي يحمي المجتمع الغربي من الهجرة غير الشرعية، بكل السبل.
والحاصل فعليًا أنه يؤدّي ذلك الدور، رافعًا شعار "دعوني أقتل لكم المهاجرين المحتملين، وأعتقلهم كي أمنع الهجرة نفسها". وعلى ذلك، تصم الحكومات الأوروبية آذانها، وتغمض أعينها عن المقتلة التي ينفّذها نظام السيسي في مصر، من أحكام إعدامٍ بالعشرات إلى اعتقالاتٍ بالمئات والآلاف، وصولًا إلى قرارت التحفّظ ومصادرة أموال كل من يعارضه، في إجراءاتٍ لا مثيل لها إلا مع حكومات الاحتلال، في إطار سعيها إلى إحداث تغيير ديموغرافي في البلاد التي تهيمن عليها، عبر عمليات اقتلاع واستئصال، وسياسات ترانسفير (تهجير وإبعاد).
وبما أن الترانسفير قد يؤدّي إلى إرباك أوروبا بالمهاجرين الفارّين من قبضة النظام، فليس أمام الأوروبيين سوى السكوت والفرجة على الجنرال، وهو يحميهم من احتمالات وصول الأوغاد إلى مجتمعاتهم، لتتحوّل الشعوب إلى رهائن لدى جلادين يبتزّون العالم بصفقات الحرب على الإرهاب.
تنشر صحف السيسي صور وأنباء لقاءاته مع المسؤولين الأوروبيين، وفي القلب منها إطار بصورة ولي العهد السعودي، تحت خبر يقول إنه والسيسي يبحثان القضايا الإقليمية المشتركة.
باختصار: السيسي يقتل شعبًا، وأوروبا تسكت، وبن سلمان يدفع ثمن شراء السكوت في التو.
أضف تعليقك