بقلم: الأستاذ حسن البنا
هدف وغاية
حرص الإمام البنا في كل مناسبة أن يسوق الدروس التربوية والعملية ليحتذي بها أنصاره، ولهذا تعددت مفاهيمه التربوية في كلماته بمناسبة الهجرة النبوية. لم يكتف حسن البنا بالتذكير من خلال كلمات الوعظ أو مقالات عبر الصحف، أو محاضرات في المساجد، لكنه أقام الاحتفالات العملية وأشاع الروح الإسلامية من خلالها بالصيام والذكر، والتشديد على أهمية هذه الشعائر، التي انساق الناس وراء نفر من الصوفية فظنوا أن إحيائها بالتمايل والرقصات.
يقول الإمام البنا:
والإخوان المسلمون: غايتهم إنهاض العالم الإسلامي وتوجيه نهضته إلى الاعتماد على الأصول الإسلامية الصحيحة لتكون كل مظاهر حياة الأمة منطبقة على قواعد الإسلام الصحيح.
والإخوان المسلمون:
يعتمدون فى تحقيق غايتهم على التربية والثقافة، فالتربية بإلزام الأعضاء العاملين التمسك بتعاليم الإسلام وشعائره والثقافة بنشر المدارس: الأقسام الليلية والنشرات والمحاضرات وأقسام المحافظة على القرآن الكريم. (1)
ولذا كان الفكر التربوي هو مجابهة كل من عمد أو حاول إلى طمس الشعائر والهوية الإسلامية.
بين عام وعام
هدف الإمام البنا إلى تربية النش والأجيال على محاسبة النفس، فلا يضيع الوقت، ولا تتقاذفهم الأيام والسنين، فإذا ما ودعوا عام جديد، حاسبوا أنفسهم فاستغفروا ما مضى وجددوا العزم فيما بقى، يقول عليه رحمة الله: اليوم يودع المسلمون عاما قد مضى لا يدرون ما الله قاض فيه، ويستقبلون عاما جديدا لا يعلمون ما الله صانع فيه، وهم بين آلام الماضي وآمال المستقبل يقفون لحظة للعبرة والذكرى.
والمسلمون لا يقفون – ويجب أن لا يقفوا – في استقبال عام جديد عن مجرد حساب الأيام والشهور، وتغيير رقم برقم، وإضافة سنة إلى السنين التي خلت، ولكنهم يحتفلون بعام جديد إنما يحتفلون بذكرى من أروع ذكريات الإسلام، وحدث من أجل حوادث التاريخ، ارتبطت به عقيدتهم الدينية، وسجلت فيه رسالتهم العالمية، تلك هي ذكرى هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الخالدة إلى يوم الدين، التي خرج فيها رسول الله مضحيا بالمال والأهل والولد، ومحتملا المشاق والآلام، ليهدي أمته إلى سنته، ويرسم لهم طريقته، حتى يقتفي المسلمون أثره. (2)
حياة القلوب
لقد شغلت الهجرة النبوية فكر الإمام البنا، فجعلها انطلاقة تربوية لحياة القلوب، وصفاء المنهج، فيقول: قلت للرجل الواقف على باب العام الجديد: أعطني نورًا أستضيء به في هذا الغيب المجهول فإني حائر، فقال لي: ضع يدك في يد الله فإنه سيهديك سواء السبيل.
أيها الحيارى والمتعبون الذين التبست عليهم المسالك، فضلوا السبيل، وتنكبوا الطريق المستقيم، أجيبوا دعاء العليم الخبير "يَا عِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ" (الزمر53)، وترقبوا بعد ذلك أنين النفس وحسن الجزاء وراحة الضمير. (3) فالفكرة والشعيرة في فكر الإمام البنا تحيى إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها.
التربية العملية
لقد سبق حسن البنا دعاة كثيرون لكن لم يرسخ فكرهم في وجدان الناس لتجاهلهم المنهج التربوي العملي الذي يزكي النفوس، وهذا ما حرص البنا على عدم الوقوع فيه، فيستلهم التربية العملية من ذكرى الهجرية النبوية، فيقول: لقد حاولت أن أكتب بمناسبة العام الجديد فى ذكريات الهجرة وقصص الهجرة وعيد الهجرة، وكيف نحتفل بالهجرة؛ فوجدتني مسوقًا على غير هذا كله إلى مناجاة هؤلاء الإخوة الأعزاء الذين أهملوا حق الوقت، وغفلوا عن سر الحياة، ولم يتدبروا حكمة الابتلاء الذي وجدنا من أجله. (4)
لقد كان حسن البنا صادق في تربيته العملية، يربي النشء على مبادئ الإسلام ليصنع منهم رجالاً يحملون راية الدعوة، وقد أعلن هو أكثر من مرة حينما سُئل: لماذا لا تؤلف الكتب؟، فأجب أنه مهموم ومشغول بتأليف الرجال، فإذا ما ألَّف الرجال حملوا الرايةَ من بعده، وقاموا بالتأليف والتصنيف، وملئوا الدنيا علمًا وعملاً.
أصناف الرجال
حاول الإمام البنا أن يضع يده على أماكن الخلل، فبدأ بالنفس التي إن صلحت صلحت البشرية، وإن فسدت خرب الكون ومن عليه، ولذا كتب في مستهل عام هجري جديد يوضح أن الناس رجلان: رجل لم يدرك سر وجوده ولم يتبين وظيفته فى حياته، إن سألته لم خلقت؟ وماذا تصنع؟ ولم وجدت؟ يقول لك: دعني فإني عنك مشغول، إنما خلق ليكبر ويغلظ ويضخم، ومن عجيب حكم الله أن هذا الصنف ليس بالقليل ولكنه كثير.
وصنف آخر أراد أن يتبين سر الوجود، ويعرف مهمته فى الحياة، فأقبل على العمل بنفس راضية وقلب منشرح. لهذا أحب ونحن في مستقبل عام جديد نودع العام الماضي أن نقف بينهما وقفة المدقق المعتبر. (5)
وأعدوا
كانت الشعوب الإسلامية واقعة تحت نير المحتل الغربي والذي عمل على طمس هويتها الإسلامية، ومن ثم استلهم الإمام حسن البنا لغة القوة ضد المحتل من التخطيط الذي تم في الهجرة النبوية، فكتب يقول: أيها الإخوان - فهذا عام جديد يناديكم فجره؛ أن خذوا للعمل عدته وللجهاد أهبته وطهروا أنفسكم وصححوا عقيدتكم وجملوا أخلاقكم وانشروا ذلك بين الناس ليؤتكم الله أجركم. (6)
الهجرة وحب الأنصار
لقد ارتبطت الهجرة بالأنصار الذي صفت قلوبهم فوصفهم الله تعالى بقوله: "وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (الحشر 9)، ولهذا ارتبطت في نفوس المسلمين بحبهم، وهذا ما غرسه الإمام البنا في نفوس أنصاره، فقال: فليس عجيبا بعد هذا أن تكون علامة الإيمان حب الأنصار وهل حبهم إلا حب الإسلام ورسول الإسلام عليه الصلاة والسلام؟
وليس عجيبا كذلك أن يكون بغضهم علامة النفاق، فإنه لا يكون إلا عن رقة دين، وضعف يقين، واستهانة بشريعة الله، ونقص لفضل الله الذي تفضل به على عباده. (7) لم يسع الإمام حسن البنا لبث الخطب في الناس، أو تذكيرهم بتسلسل الأحداث، إنما سعى لغرس شجرة في النفوس تؤتى ثمارها اليانعة بأوراقها اليافعة على الشعوب المجتمعات فيتبدل الحال، وتتحرر الأوطان، ويستلهم المسلمون عزتهم من هجرة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
المصادر
جريدة الصعيد الأقصى، العدد 462، السنة العاشرة، 6 ذو الحجة 1364ه - 11 نوفمبر 1945م، صـ 1، 4.
مجلة الإخوان المسلمون: العدد 176، 2 محرم 1367هـ، 15 نوفمبر 1947م.
مجلة الإخوان المسلمون: السنة الأولى، العدد 10 الموافق 3 محرم 1362هـ - 9 يناير 1943م، صـ10، 11.
جمعة أمين عبد العزيز: سلسلة من تراث الإمام البنا، المناسبات الإسلامية، الكتاب السادس، دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع، الإسكندرية، 2004م، صـ 43.
مجلة الإعتصام: السنة السابعة، العدد 16 الموافق 12 ربيع الأول 1365هـ - 14 فبراير 1946م، صـ8 : 10.
جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد 1، السنة الثانية، 19 محرم 1353ه- 4 مايو 1934م، صـ1-2.
جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد 38، السنة الثانية، 24 ذو القعدة 1353هـ، 28 فبراير 1935م، صـ 16: 17.
أضف تعليقك