• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم عبد الرحمن القرضاوي

يترنح "دونالد ترامب" تحت وقع فضائحه التي لا تنتهي، يلف ويدور حول نفسه كمجذوب من شدة الطعنات التي تتهاوى على ظهره من أشخاص في مستويات عليا في فريقه الرئاسي، يشك في نائبه، في كبار مستشاريه، في طاقمه المقرب، في زوجته، يصرخ كقرد منعوا عنه الموز، ولكن بلا فائدة... مؤشرات كثيرة تؤكد أن استكمال فترته الرئاسية سيكون أمرا بالغ الصعوبة، وحتى إذا استكملها فسوف تكون جميع أيامه شقاء في شقاء. لقد جنى على نفسه وقرر أن يعادي الإعلام الأمريكي، وهذا أمر إن دل على شيء، فيدل على حماقة لا مثيل لها من شخص لا علاقة له بعالم السياسة.

يتحدث المقال الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز عن وجود "مقاومة" داخلية في الإدارة بسبب افتقار ترامب للمسؤولية الأخلاقية، وانعدام تشبثه بأي مبادئ واضحة توجه قراراته. وتحدث كاتب المقالة عن "همسات مبكرة" بين أعضاء بإدارة ترامب لاتخاذ خطوات لإزاحته عن الرئاسة، لكنهم "قرروا ألا يفعلوا لتفادي حدوث أزمة دستورية".

"المقاومة" مفردة لا تستخدم إلا في حالة التعامل مع "احتلال" أو "غزو" خارجي، وبالتالي هناك بعض كبار المسؤولين في البيت الأبيض يتعاملون مع رئيسهم على أنه عميل!

رئيسنا المصري كانت مهمته أسهل... فهو عميل محاط بآلاف العملاء!!!

تحدث هذه الضربات في واشنطن... فتهتز كراسي الحكام في أبو ظبي والرياض والقاهرة، تتغير سيناريوهات وضعت في الخفاء لصفقة القرن، تتهاوى طموحات صبيان في القفز على عروش إخوتهم أو آبائهم!

ورغم ذلك... لا يرى أبناء الثورات العربية فرصة اختراق، أو فرصة توحد واصطفاف، أو فرصة تحالف يفتح صفحة جديدة من أجل الوطن!

يظن اليائسون من الثوار أن الأمل جريمة، وأن الهزيمة كاملة، وأن الانتصار مستحيل، بينما تُظهر الأحداث أن معسكر الثورة المضادة في حيص بيص، وأن فرصا كبيرة وكثيرة لاحت في الأفق خلال السنوات الماضية، وما زالت تلوح كل فترة، لتوحيد الصف أمام هؤلاء اللصوص المحصنين بمليشياتهم المسلحة التي تخطف أوطانا بكاملها.

إن الطريق الوحيد لطي هذه الصفحة السوداء هو توحيد الصف، هذا الصف الذي أصبح عريضا جدا، يكاد يشمل الوطن كله، فمن كانوا أعداء للثورات بالأمس أصبحوا مستعدين اليوم للانضمام للثوار اليوم لكي يتخلصوا من الكابوس الذي يطبق على أنفاس الوطن.

وهذا الوضع يمنح فرصة كبيرة لاتفاق سياسي شامل يخلص مصر من هذا العهد الأسود.

اتفاق سياسي يضمن حقوق المواطنين، ويمنح فرصة تحقيق العدل عبر برنامج عدالة انتقالية واضح، ويمنح الوطن استقلالا حقيقيا، ويلغي تبعية مصر لممالك يحكمها صبيان صهاينة، ويوقف حالة التدهور والتهديدات الوجودية التي تكاد تقضي على الأمة المصرية ومن ورائها الأمة العربية والإسلامية.

تتوالى الأحكام القضائية الظالمة، صدر حكم القضاء المصري المسيّس في قضية "فض اعتصام رابعة"؛ ليقول لنا بلسان المسجونين ظلما: "اتحدوا... أو موتوا متفرقين"!

في الوقت الذي يسقط الظلم كالسيف على رقاب الجميع نرى من يشمت في سجن السفير معصوم مرزوق، ومن يشمت في سجن الدكتور يحيى القزاز، ويشمت في سجن عبد المنعم أبو الفتوح... فيرد أنصار هؤلاء بالشماتة في حكم قضية فض رابعة... كل ذلك كفيل ببقاء "سيسي" في أمن وأمان، ولن يتهدد بقاءه أي خطر حقيقي ما دمنا متفرغين للشماتة في المصائب التي تحل علينا!

إن اعتقال أمثال معصوم مرزوق والأحكام الجائرة مثل حكم فض رابعة... كل ذلك فرصة لتوحيد الصف، ومراجعة تعريف "العدو"، وتعريف "الحليف"!

إن العداوة مع الخونة لا يمكن أن تتغير، ولكن التحالف مع المختلفين معنا ممكن، بل هو ضرورة، ولكن إدراك ذلك يقضي منا أن نتعالى على الصغائر.

يعرف المستبد جيدا أن بقاءه في السلطة مرهون بفراغ الساحة السياسية من كل منافس، ويعرف المستبد أن المنافس الوحيد هم دعاة التغيير.

لذلك فمهمته - في ذهنه - شديدة الوضوح، لا بد من تفريق هؤلاء، وإلهائهم في مصائبهم، وتذكيرهم أولا بأول بالضغائن والإحن التي تفرقهم، ولا بد من الوقوف في وجه أي شخص أو مجموعة تحاول توحيد صفوفهم.

مهمته - في ذهنه - شديدة الوضوح... أما نحن فغالبيتنا أذهاننا مشوشة، يقودنا نخبة من العجائز الذين ينتمون لزمن آخر، همومهم الصغيرة لا تتناسب مع اللحظة المصيرية التي تمر بها مصر.

إن بقاء هذا العميل في سدة الحكم ليس أكثر من انعكاس لضعف المعارضة المصرية، وهو دليل على قلة الوطنيين في دولاب الدولة، وليس ذلك بعجيب بعد أن حكمها عميل لمدة ثلاثين عاما متواصلة!

إن التغيير سنة الحياة، وقد دارت عجلة التغيير في يناير 2011، وكل ما يحدث الآن لن يوقف دوران العجلة... ولكنه سيطيل الطريق، ويرفع التكلفة.

أضف تعليقك