بقلم: محمود فتحي
- رئيس حزب الفضيلة
لمن لا يعرفني عن قرب أنا من مواليد القاهرة الساحرة وعشت فيها عمري، لكن أصولي من محافظة الدقهلية ومن بلدة (ميت سلسيل) تحديدا وهي أشهر بلدة في الأيام الماضية في مصر.. ولمن لا يعرف (ميت سلسيل) فهي قد شهدت حادثة مقتل طفلين هزت الرأي العام وبعد أيام اتهمت الداخلية والنيابة أبوهم (محمود نظمي) بأنه هو من قتلهم ثم تم نشر فيديو له وهو يعترف بقتلهم لكنه لم يكن في حالة نفسية أو عقلية متزنة.
محمود نظمي ابن قريتي التي صارت مدينة لاحقا بل وابن نفس الحي (سيدي مجاهد) الذي كنت أسكن فيه في الإجازات التي أقضيها مع أهلي وأقاربي هناك، وكثيرا ما كنت أشاهده يلعب في أزقتها صغيرا وأنا شاب بين أقراني، وكان كأي طفل مصري آخر لكن ما كنت ألاحظه بشدة فيه ابتسامته العريضة التي لم تكن تفارقه كطفل.
لا أعرف محمود بشكل حقيقي ولا أعرف إن كان هو حقا قاتل أبنائه كما تدعي الأجهزة الأمنية أم أن الأمر كما يقول معظم أهالي البلد كيدي ومتورط فيه أسماء كبيرة بين تجارة آثار وسلاح من رتب في الداخلية، وبالطبع تجربتي الشخصية في تلفيق عشرات القضايا والأحكام وصل بعضها للإعدام يجعلني لا أثق بهذه المنظومة بكاملها.
لكن ما أعرفه يقينا أن محمود ابن قريتي (ميت سلسيل) سواء كان قاتلا أو لا، فهو ضحية هذا النظام الحاكم الذي ترك متعمدا عصابات المافيا تشيع الظلم والفساد والإفساد، وصارت البلطجة والسرقة والجهل والفساد من صفات الحكم التي ينشرها بين الناس، والتي يحرص أن يتحلى بها كل الشعب خاصة الشباب، ليكون الجميع شركاء في الفساد وقابل للاستعباد والابتزاز، وبهذا يكون تسليط الفقر والفساد على الناس ليس فقط لإذلالهم والتحكم فيهم بل ولتوريطهم أيضا في منظومة الفساد ويصبح الجميع مهددا بمقصلة فساد أكثر نفوذا.
وما أعرفه أيضا أنه لا أحد في مصر يثق في أجهزة الدولة المختلفة خاصة الأمنية والقضائية منها، مثل الشرطة أو النيابة أو القضاء لا من جهة المهنية فالجميع يعلم أن أفراد هذه المؤسسات ليسوا مؤهلين وكلنا يعرف الواسطة والمحسوبية في اختيارهم، ويعرف كذلك مستواهم المهني والعلمي المتدني.. وكذلك لا يثق الشعب المصري في هؤلاء من جهة الأمانة فلا أمانة عند غالبهم ولا شرف.
مات الأطفال الصغار وغالبا لن يعرف أحد حقيقة مقتلهم أو قاتلهم، لكن قبل أن يقتلهم القاتل فجميعنا قد ولدنا أمواتا في بلد ميتة تحت حكم الظلم والفساد والاستبداد، وسيموت محمود سواء كان قاتلهم أم كان ضحية مثلهم.. وبالتأكيد كل أهالي ميت سلسيل ضحايا هذا النظام المجرم الذي تعمد إفقارهم وإفسادهم وتجهيلهم، تماما كما تعمد الإفقار والإذلال والإفساد والتجهيل لكل الشعب المصري.
بالطبع لن يترك النظام هذه الفرصة ليجعلها لعبة رأي عام ويسلط عليها أراجوزاته من الإعلاميين، أو يجعلها حلزونة يشغل بها عموم الشعب مدة، ثم سينتقل بعدها لحلزونة أخرى وهكذا، فما زال الوعي الجمعي المصري بل والمعارض يقع في حبائل العسكر وحلزوناته كرد فعل للأحداث وإعلام الشؤون المعنوية.. يعني النظام قتل القتيل واستفاد من جنازته في شغل الناس عن مشاكلهم وأزماتهم الحقيقية !
محمود وأطفاله قتلهم النظام الفاسد الظالم وعصاباته قبل أي شخص آخر، وهم وكل الشعب ضحية هذا النظام المجرم، حتى لو كانت لهم أخطاؤهم فهي فرع صغير عن أصل الفساد والظلم الكبير.. وحتى لا يكون محمود وغيره مظلوما، وحتى نرفع الظلم عن كل (محمود) لا بد وأن يقف الشعب كله ليقول: كفاية ظلم، كفاية فساد، كفاية فقر، كفاية قهر، كفاية مرض.. وقتها فقط سنعرف كيف نحمي أولادنا ومستقبلنا من أي عصابة وكل عصابة.. فاللهم رحمتك بالشعب المصري الكريم واللهم عدلك مع عصابات الظلم والاستعباد والفساد والاستبداد ولن يكون هذا إلا بعودة الشعب للثورة.. فاللهم ثورة.
- نقلا عن مدونات الجزيرة
أضف تعليقك