• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم..وائل قنديل

جيد جداً أن يكون لديك فائضٌ من الأحاسيس المرهفة، فتتألم لذبح الحيوان والطير بطريقةٍ تفتقر إلى الرحمة والشفقة، لكن عندما لا تكون هذه الرهافة حاضرةً، إذا تعلق الأمر بالإنسان، خصوصاً الذي يختلف معك، فاسمح لي أن أقول لك إن مشاعرك مزيّفة، أو على أقل تقدير، لا تعدو كونها فقرة استعراضية، لا تقنع أحداً.

من حقك أن تظهر متألماً على أضاحي العيد من الأنعام، ومن حق ذاكرة الناس أن تستدعي قبولك، بل وتشجيعك، نحر الإنسان على مذبح الصراع السياسي، من دون أن يهتزّ لك جفن، بل وتكرّر تأييدك، بأثر رجعي، قرار الذبح، بذريعة الحفاظ على الدولة المدنيّة.

باختصار ليس من السهل الاقتناع بهذا الحرص المبالغ فيه على الرفق بالحيوان، إذا لم تكن قبل ذلك من دعاة الرفق بالإنسان.

****

ستة أعياد أضحى مضت في مصر، من دون أن تمر على نبلاء في الزنازين، يتقدّمهم، الرئيس محمد مرسي، وآلاف من السياسيين والمثقفين وشباب الثورة وبسطاء الناس الذين انحازوا لقيم الإنسانية ومبادئ الديمقراطية، تمارس ضدهم كل أشكال التنكيل والإهانة، بينما قتلة الإنسانية يحتفلون بالعيد، بعباراتٍ غارقةٍ في الرقة والعذوبة.

ملايين المواطنين المصريين يُسحقون بالقرارات والإجراءات المدمرة للسياسة والاقتصاد وحرية التعبير، ثم يطلّ الطغاة في ثياب العيد، مهنئين بالخير واليمن والبركات… هذا يساوي بالضبط: صاحب المجزرة يهنئ شعبه المذبوح بعيد الأضحى ويتمنى له أوقاتاً سعيدة.

****

محمد أسامة محمد مرسي، العمر عامان، خرج إلى الحياة ووالده في زنزانة، تبعد أو تقرب، من زنزانة جدّه محمد مرسي، لم يعرف طعم العيد مع والده.

خالد علاء عبد الفتاح، العمر سبعة أعوام، جاء إلى الحياة ليجد والده في الزنزانة، أواخر 2011 وحين خرج الوالد، سرعان ما أعادوه إلى الزنزانة، ليكون قد أمضى من سنوات عمره السبع خمساً من دون والده.

هناك آلاف الحالات مماثلة لحالة حفيد الرئيس الأسير، وحفيد أنبل المدافعين عن حقوق الإنسان، الراحل أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح.

السؤال: أي متعةٍ يجدها عبد الفتاح السيسي ونظامه في التنكيل بأطفال، والتوحش مع آبائهم وأمهاتهم في السجون؟ هل يشعر الضابط المسؤول عن التنكيل بهؤلاء برجولته، وهو يستمتع بممارسة البطش بالمسجونين ظلماً، وذويهم؟ هل يشعر القاضي الذي حكم بحرمان هؤلاء من الحياة بفرحة العيد؟

****

“بالروح بالدم هنكمل المشوار”.. نشأنا على هذا الشعار، فلا المشوار اكتمل، ولا الروح انتعشت، ولا الدم كانت له حرمة وقدسية.

ليس ضرورياً أن تقطع الأمم مشاويرها نحو التقدّم بإزهاق الأرواح وإراقة الدماء، ذلك ما أثبتته الأيام والسنون والعقود، بل العكس هو الصحيح، حيث لا حركة ولا تقدّم، ولا مشاوير تقطع وتكتمل، من دون أن تكون الأرواح مصونة والدماء مقدسة.

لم تصنع اليابان نهضتها، ولم تحقق كوريا تنميتها “بالروح بالدم” بل عرف العالم طريقه إلى الأفضل بالعلم واحترام حقوق الإنسان، والعمل.

أنظر إلى الدول التي تفضلها بالروح والدم، أنظر إلى مصر وسورية، مثلاً، أين انتهى بها المشوار، وقارن بينها وبين الدول التي اعتنقت مبدأ بالحرية والعلم، ستكتشف أن الأولى قطعت مشاوير هائلة إلى الخلف، بينما وثبت الأولى إلى المقدّمة.

****

ليس أكثر مدعاةً للأسى من أن تكون سموم يبثّها معلق صهيوني عبر مواقع التواصل الاجتماعي زاداً وعتاداً في المعارك الكلامية العربية/ العربية، فتتحول تعليقات إيدي كوهين، مثلاً، إلى سلاحٍ يصارع به العرب بعضهم بعضا، ما إن يبثّ تغريدةً حتى يتلقفها “الإخوة عربازوف”، وكأنها الحجة الدامغة والدليل القاطع ضد مخالفيهم من الأشقاء، ليرفع الستار عن مأساةٍ قوميةٍ وحضاريةٍ شاملة: عرب ضد عرب، بالاستعانة بسموم ضابط الإيقاع الصهيوني، الذي يتحكّم في الذهنية العربية ويديرها، ويوجهها إلى حيث يريد.

إذا كنت قد اعتبرت استدعاء صحافي صهيوني لزيارة الأماكن المقدّسة في مكّة المكرمة والمدينة المنورة، كارثةً قوميةً وثقافيةً، فإن استدعاء إيدي كوهين ليكون حاضراً ومحرّكاً لصراعات عرب السوشيال ميديا لا يقل كارثيةً وعاراً حضارياً.

أضف تعليقك