• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: خليل العناني

 

  • أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية.

 

تعدّ الانتخابات التمهيدية للتجديد النصفي للكونغرس الأميركي، والمقرّر إجراؤها في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، من أكثر الانتخابات في الولايات المتحدة سخونةً منذ عقود، وأحد أسباب هذه السخونة وجود رئيس غير تقليدي في البيت الأبيض، هو دونالد ترامب، فالحزب الجمهوري الذي يسيطر على غرفتي الكونغرس (مجلسي النواب والشيوخ) يحاول جاهداً إبقاء هذه السيطرة على حالها، خصوصا في مجلس الشيوخ الذي يتمتع فيه الحزب بأغلبيةٍ ضئيلة، في حين يحاول الحزب الديمقراطي، والذي لم يتعاف من ضربة الانتخابات الرئاسية الماضية، بعد خسارة مرشحته هيلاري كلينتون أمام ترامب، في مفاجأة هي الأولى من نوعها في التاريخ الأميركي.

اللافت في هذه الانتخابات التمهيدية حضور الأميركيين من أصول عربية، وترشّحهم لخوض الانتخابات العامة المقبلة. والأكثر إثارةً نجاح اثنتين من أصول عربية، رشيدة طليب، الأميركية من أصل فلسطيني، وإلهان عمر، الأميركية من أصل صومالي، في الفوز ببطاقة الترشّح عن الحزب الديمقراطي، ممثلتين لولايتي ميشيغن ومينسوتا على التوالي. ومن المتوقع أن تفوزا بمقعدين في مجلس النواب في الولايتين، نظراً للتأييد الكبير الذي يحظى به الحزب الديمقراطي هناك. وإذا نجحتا فسيكتبان تاريخاً جديداً للعرب في أميركا، ففضلا عن كونهما امرأتين، هما من أكثر الوجوه قبولاً لدى قطاعاتٍ واسعة في الحزب الديمقراطي الذي يحاول جاهداً العودة إلى توازنه، بعد خسارته الرئاسة والكونغرس قبل عامين.

ومن يتابع قصة صعود كل من رشيدة طليب وإلهان عمر يكتشف التحولات المتسارعة التي مرت بها الجالية العربية في أميركا خلال العقود الماضية، فقبل عقود قليلة، كان صعبا تخيّل وجود عضو في مجلس النواب أو الشيوخ من أصول عربية. والآن أصبح هذا الأمر ممكناً، وهو ما يمكن تفسيره بعدة عوامل، أهمها تغير الوعي في أوساط العرب الأميركيين، خصوصا من أبناء الجيلين، الثاني والثالث، فقد تجاوز هذان الجيلان مخاوف جيل الآباء الذي وصل إلى أميركا منذ خمسينيات القرن الماضي، ولم يكن على دراية بكيفية عمل النظام السياسي الأميركي أو كيفية التأثير فيه. كما نجح هؤلاء الأبناء في الاندماج في مجتمعاتهم المحلية إلى درجة أنهما نالا ثقة تلك المجتمعات، في تمثيلها في الكونغرس الأميركي، فرشيدة طليب المولودة لأبوين فلسطينيين من الضفة الغربية ترعرت في منطقة ديترويت في ولاية ميشيغن المعروف بحضورها العربي الكبير. كما أنها على وعي كامل بالمطالب الاقتصادية والاجتماعية لمنطقتها، بشكل جعلها مرشّحة الحزب الديمقراطي عن الولاية في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبلة. في حين هاجرت إلهان عمر مع عائلتها أوائل التسعينات، عندما كان عمرها 12 عاماً، ونجحت في أن تكون من نجوم الحزب الديمقراطي في ولاية مينيسوتا، بعد أن نجحت في دخول التاريخ عام 2016، باعتبارها أول مشرّعة أميركية من أصل صومالي، عندما انتخبت عضواً في مجلس نواب ولاية مينيسوتا المحلي.

في الوقت نفسه، لعبت الأجندة الاقتصادية والاجتماعية لكل من المرشحتين دوراً مهماً في خطفهما بطاقة الترشح عن الحزب الديمقراطي، فهما ينتميان إلى ما يسميه بعضهم الجناح "اليساري" داخل الحزب، والذي دشّنه صعود عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي، بيرني ساندرز، المرشح السابق في الانتخابات الرئاسية الأميركية عن الحزب الديمقراطي، والذي خسر بطاقة الترشح عن الحزب، بسبب ألاعيب منافسته هيلاري كلينتون، كما اتضح لاحقاً. كما تدعوان إلى إصلاحات جذرية في النظام السياسي الأميركي، مثل الرعاية الصحية الشاملة، وتحديد الحد الأدنى للأجور، وحماية البيئة، وتحديد رسوم مقبولة للتعليم الجامعي.

ومن جهة أخيرة، ساهمت موجة العداء للمهاجرين، خصوصا المسلمين، في تعزيز حضور أبناء الجالية العربية والمسلمة في المجال العام الأميركي، وذلك في محاولة لمواجهة هذه الحملة غير المسبوقة عليهم، وعلى انتماءاتهم الدينية والثقافية والعرقية. كما دفع صعود ترامب وسياساته الرأسمالية إلى تحفيز الأفكار الأقرب إلى العدالة الاجتماعية وتنشيطها، ورفع مستويات الدخل وتوفير الرعاية الصحية، وهي أفكار يراها بعضهم يسارية، أو راديكالية بالمعنى الاشتراكي.

صحيح أن الجالية العربية في أميركا تظل صغيرة العدد (حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون)، كما أنها منقسمة على ذاتها سياسياً، إلا أن ثمّة مؤشرات على أن هناك جيلا جديدا من العرب الأميركيين يحاول تغيير هذا الوضع، من خلال معرفة أماكن النفوذ والتأثير في السياسة الأميركية، من خلال اللعب بقواعد اللعبة نفسها. وربما لن يأخذ الأمر وقتا، حتى نرى عددا لا بأس به من المشرّعين في الكونغرس من أصول عربية، مسلمة أو مسيحية.

أضف تعليقك