بقلم: سليم عزوز
لا يمكن فهم انزعاج السيسي مما وصفه بالشائعات التي تستهدف الدولة، إلا إذا سلمنا بأن العسكر هم الأكثر حساسية وفهما لخطورة الكلمة من غيرهم!
في مذكراته، يروي "سيد أبو النجا"، المدير المسؤول بجريدة "المصري"، كيف أنه تلقى اتصالاً هاتفياً من الجريدة صباح يوم 32 تموز/ يوليو 1952، يفيد بأن قوات بالجيش تحيط بمبنى الصحيفة، فلما ذهب إلى هناك طلبوا منه أن يتحدث مع كبيرهم، والذي عرفه بنفسه بأنه الضابط "جمال منصور"، وكان طلبه أن يصدر عدد اليوم التالي مؤيداً "حركة الضباط"، وكان هذا اسمها، فلم يكونوا يطلقون عليها "ثورة" في البداية!
اللافت فيما ذكره "أبو النجا" أن "جمال منصور" كان هو الاسم الحركي لـ"عبد الناصر". ولك أن تتخيل كيف أن قائداً لانقلاب عسكري، يترك كل شيء، ويتفرغ لمحاصرة جريدة لمجرد حملها على أن تصدر عدداً يؤيد حركته (أو ثورته فيما بعد)!
وبعد ذلك، يقول محمد حسنين هيكل في كتابه "بين الصحافة والسياسة"، إن بقاء الصحف في يد ملاكها كان أكثر مما يقلق عبد الناصر، رغم أنها كانت جميعها موالية له، وتخضع لرقابته، ولم تهدأ نفسه إلا بعد أن قام بتأميمها وانتقال ملكيتها إلى ما يسمى بالاتحاد القومي بعد ثماني سنوات!
السيسي إن عبد الناصر كان محظوظاً بإعلامه، ورغم أنه لا يوجد إعلام معارض له، وانطلق في وقت لاحق ليستحوذ على الفضائيات والصحف الخاصة، لانتقال ملكيتها إلى أجهزته الأمنية، ومع ذلك ظل يشعر بالقلق من السوشيال ميديا
وقد قال السيسي إن عبد الناصر كان محظوظاً بإعلامه، ورغم أنه لا يوجد إعلام معارض له، وانطلق في وقت لاحق ليستحوذ على الفضائيات والصحف الخاصة، لانتقال ملكيتها إلى أجهزته الأمنية، ومع ذلك ظل يشعر بالقلق من السوشيال ميديا، رغم قيامه بحجب أكثر من 500 موقع الكتروني، وبدا خائفاً يترقب من الشائعات التي تهدد الدولة!
دعك من معنى الشائعات في وعي السيسي، ودعك كذلك من فهمه لـ"الدولة" المستهدفة بالسقوط من هذه الشائعات التي قال إنها 21 ألف شائعة في ظرف ثلاثة أشهر. فالشائعة عنده تعني كل الكلام المعارض له، و"الدولة" عنده "النظام"، والنظام هو، وبالتالي فإن سقوط الدولة يعني سقوطه هو شخصياً!
فالشاهد هنا أنه يدرك خطورة الكلمة، لذا فقد ظهر خائفاً يترقب، وهو يحذر من هذه الشائعات، دون أن يذكر شائعة واحدة، وهل ينطوي تحت لافتة الشائعات اتهامه بالتفريط في الأرض، وبالتفريط في مياه النيل، وبالفشل في إدارة الدولة، مما نتج عنه ارتفاع في الأسعار بشكل غير مسبوق؟!
الشائعة عنده تعني كل الكلام المعارض له، و"الدولة" عنده "النظام"، والنظام هو، وبالتالي فإن سقوط الدولة يعني سقوطه هو شخصياً!
فهذا ليس هو الموضوع، فالسيسي يدرك كيف كانت الكلمة سبباً في إسقاط الرئيس محمد مرسي، ومن خلال فبركة أخبار لا أساس لها من الصحة ولا محل لها من الإعراب، وللأسف لم تجد من يرد عليها في حينها!
وكان ذلك منذ اليوم الأول لتولي الرئيس مرسي للحكم، وكانت الأخبار تنشر مجهلة وتنسب إلى مصادر عسكرية "رفضت ذكر اسمها"، ومنها أن الرئيس أرسل ابنه لمطار القاهرة ليلحق براشد الغنوشي وتسليمه وسام الدولة المصرية. كما نشر أن النجل الأصغر للرئيس، وكان في الصف الثالث الثانوي، قد عقدت له لجنة خاصة لتمكنه من الغش!
وجاء الرد العملي على الخبر الأخير، هو عدم تمكن نجل الرئيس من الحصول على درجة تؤهله للالتحاق بكليات القمة بسهولة، فالتحق بجامعة خاصة مصاريفها في قدرة الطبقة المتوسطة!
لقد نُشر أن الإخوان مكنوا قطر من السيطرة على موانئ قناة السويس، وأن خيرت الشاطر باع للقطريين مثلث ماسبيرو، وأن الرئيس مرسي غلّ يد الجيش عن القبض على من ارتكبوا مذبحة رفح ضد الجنود المصريين، وأن مرسي باع سيناء لواشنطن وقبض ثمنها!
كانت دعاية كاذبة من أولها لآخرها، ولم تكن تنشر في "صحف بئر السلم"، ولكنها كانت تنشر في صحف تبدو وقورة من حيث الشكل، وفي فضائيات واسعة الانتشار.
السيسي يعرف خطورة الدعاية ضد حكمه، وهو لهذا لم يكتف بحجب المواقع، لكنه الآن يزج بكل من كتب كلمة ضده على مواقع التواصل الاجتماعي في السجون
وقد استخدم العسكر الدعاية السوداء في البداية لإفشال الرئيس، قبل أن يفكروا في الإطاحة به، وقد كان لها أهميتها عند قطاع من الشعب، صدق هذه الترهات، وتملكه الخوف على الدولة المصرية من هذا الحاكم الوافد من خارج السياق!
ولهذا، فالسيسي يعرف خطورة الدعاية ضد حكمه، وهو لهذا لم يكتف بحجب المواقع، لكنه الآن يزج بكل من كتب كلمة ضده على مواقع التواصل الاجتماعي في السجون، ويعتبر أن وجود خمسة آلاف متابع لأي صفحة خطر على سلطته ويمكن أن يعصف بدولته، فكان ما ذكره عن الشائعات التي تستهدف الدولة المصرية!
إنه القلق من نفس المصير.
أضف تعليقك