بقلم: أشرف دوابه
ألقى رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي كلمة بمناسبة ذكرى ما سماه "ثورة" الثلاثين من حزيران/ يونيو؛ ذكر فيها أن مصر نجحت في مواجهة ثلاثة تحديات رئيسية شهدتها البلاد منذ عام 2011، وهي غياب الأمن والاستقرار السياسي، وانتشار الإرهاب والعنف المسلح، وانهيار الاقتصاد.
كما أشار السيسي إلى أن معدل النمو الاقتصادي وصل إلى نحو 2 في المئة فقط في حزيران/ يونيو 2013، وارتفع حاليا ليصل إلى 5.4 في المئة، وأنه يستهدف مواصلة هذا النمو المتسارع ليصل خلال السنوات القليلة المقبلة إلى 7 في المئة ويتجاوزها، وهو الأمر الذي من شأنه تغيير واقع الحياة في مصر بأكملها، ووضعها على طريق انطلاق اقتصادي سريع.
وتطرق السيسي أيضا إلى ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى 44 مليار دولار، باعتباره أعلى مستوى تحققه مصر، بعد أن كان قد تراجع إلى أقل من 15 مليار دولار فقط قبل حزيران/ يونيو 2013.
وهذا كلام يحمل من التدليس ما يهدمه ويضعه في سلات القمامة.. لقد شبع المصري من الكلام، ولم يجد من عمل إلا ما يضيق عليها أدنى سبل الحياة بقرارات مستمرة ضد المواطن وحمايته الاجتماعية ومعيشته الضرورية.
إن الإرهاب الذي يتكلم عنه السيسي ما زال معششا في رأسه ومن فعله، وهو صاحب صنيعة الإرهاب في سيناء، ليس في الوقت الحالي فحسب؛ لتنفيذ صفقة القرن، بل في عهد الرئيس مرسي أيضا. وأي أمن واستقرار يتكلم عنه السيسي؟ فالأمن لا يتحقق بقوة البطش، ولا يمكن لاستقرار أن يتحقق بالظلم ونبذ العدل.
أما معدل النمو الذي يتباهى به السيسي، وسواء أكان 2.5 في المئة أو حتى لو وصل إلى 7 في المئة، فهو معدل كسيح لم يترتب عليه توزيع عادل للدخل أو تخفيض معدلات البطالة، ومصدره استهلاكي، بعيدا عن الإنتاج الذي هو أساس التنمية المفقودة في مصر. وهذا النظام لم يتعلم ممن هم على شاكلته من تجارب سابقة. ففي عهد حكومة أحمد نظيف؛ تغنوا بمعدل نمو 7 في المئة، وجاءت ثورة كانون الثاني/ يناير 2011م لترد على هذا التزييف؛ الذي ظاهرة الارتفاع وباطنه مزيد من الفقر والبطالة، فكيف الحال في ظل عهد السيسي الذي ضحى بالشعب من أجل كرسي انقلب على صاحبه الشرعي غدرا؟
نعم، نحن لا ننكر من وجود زيادة في معدل نمو الدخول، ولكن ليس هذا من نصيب عموم الشعب المصري.. بل هو من نصيب السيسي وحاشيته من عسكر وشرطة وقضاء؛ بزيادة رواتبهم ومعاشات تقاعدهم من جيوب الشعب المقهور.
إن معدل النمو إذا كان لا يعكس معايش الناس، فلا برهان له ولا قيمة لذاته . وما قيمة زيادة معدل النمو مع زيادة في الفقر تفوقه أضعاف مضاعفة.. وما قيمة معدل النمو وإملاءات صندوق النقد الدولي سلمت المواطن المصري تسليم الذبيح من أجل قرض 12 مليار دولار؛ أخذ السيسي من جيوب الشعب ما يفوقه باسم الإصلاح الاقتصادي الذي ما هو إلا إفساد اقتصادي متعمد لتجريف مصر بشرا وحجرا واقتصادا.
إن السيسي يدعي أن معدل النمو من شأنه تغيير واقع الحياة في مصر بأكملها، ووضعها على طريق انطلاق اقتصادي سريع. وهذا كلام هلامي يدخل في سلسلة الأكاذيب المتواصلة، فلا يمكن أن تنطلق نهضة اقتصادية وتستمر بدون إنسان ينال حظه من التكريم، فيحس بذاته ويمارس حريته في سوق حرة لا يسيطر عليها العسكر ولا يحكمها بالقوة الغاشمة باسم الأمن والاستقرار، فالقوة بغير عدل طاردة للاستثمار، مهلكة للاقتصاد، مدمرة للإنسان، وهو ما يعكس أنه يهوي باقتصاد مصر إلى وادي سحيق، ويغير واقع الحياة المصرية، ولكن بالقضاء على ما تبقى من طبقة متوسطة وسحق محدودي الدخل.
أما تباهي السيسي بارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى 44 مليار دولار، فهو قول يزيف الحقائق فما قيمة أن تتباهى بأموال غيرك التي اقترضتها؟.. وما قيمة أن تكون مدينا لغيرك ثم تتباهي بدين غيرك وكأنه بات حقا لك، ناسيا أو متناسيا أن هذا التزام عليك للغير ولا بد من سداده في مواعيد استحقاقه؟
إن هذا الاحتياطي لا تملك منه مصر سوى أقل من أربعة مليارات دولار، والباقي هو قروض دولية ممثلة في ودائع من الكويت والإمارات والسعودية، وبعض من قروض المؤسسات الدولية، فضلا عن حصيلة سندات دولارية.. وإذا كان السيسي يتباهى بالاحتياطي الذي خسفه المجلس العسكري بعد ثورة يناير، والذي كان وقتها عضوا فيه، فلماذا سكت لسانه عن الحديث عن الديون التي تجاوز الدين الخارجي منها 90 مليار دولار، بعد أن كان 43 مليار دولار قبل انقلابه الغاشم، بنسبة ارتفاع 109 في المئة، كما وصل الدين المحلي لنحو أربعة تريليونات جنيه بعد أن كان 1.5 تريليون جنيه قبل الانقلاب، بنسبة ارتفاع نحو 167 في المئة؟ ولماذ لم يتكلم عن الضرائب التي وصلت لمبلغ 770 مليار جنيه، بعد أن كانت 251 مليار جنيه قبل الانقلاب، بنسبة ارتفاع نحو 207 في المئة؟ ولماذا لم يتكلم السيسي عن رفع الدعم لطحن الفقراء والزيادات المتوالية في أسعار الكهرباء والمياه والبنزين والغاز والتضخم الذي أكل الأخضر واليابس منذ تعويم الجنيه المصري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016؟.. ولماذا لم يتكلم السيسي عن نظرته للتنمية التي تقوم على بناء السجون بديلا عن بناء المصانع، فأغلقت آلاف المصانع في عهده، وفتحت السجون أبوابها لأكثر من 70 ألف شخص من خيرة أبناء مصر؛ تعرض بعضهم للإعدام شنقا أو مرضا بالإهمال المتعمد، وقد ارتفع عدد السجون من 46 سجنا قبل الانقلاب إلى 69 سجنا في الوقت الحالي؟..
إن الظلم لا يقيم ملكا ولا يحقق استقرارا ولا يبني اقتصادا، ولا نتيجة له سوى الخراب عاجلا أو آجلا.. وكل هذا يجعلنا ننادي بملء الفيه: ارحل يا سيسي، فقد ضيعت العباد وثروات البلاد وقضيت على الحياة الكريمة للأجيال.
أضف تعليقك