• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: وائل قنديل

لم يكن عرساً عادياً، بل كان احتفالاً قومياً بعيد تأسيس الدولة العكاشية في مصر، اختاروا له موعدين صاخبين، عقدوا القران في مساء الثلاثين من يونيو، واحتفلوا بالزفاف في ليلة الثالث من يوليو.

بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي، عرض توفيق عكاشة وثائقياً على قناته التي رعتها وأدارتها المخابرات مبكراً، بعنوان "الرجلان"، يروي فيه كيف كان الكتف بالكتف، والرأس بالرأس، مع السيسي في صناعة انقلاب الثورة المضادّة، مجدّفاً بالسيناريو إلى منطقة الأنبياء والرسل، والأبطال التاريخيين، مستدعياً قصة موسى وهارون عليهما السلام، مروراً بصلاح الدين الأيوبي وقطز، لتأسيس الدولة الجديدة، والقضاء على ثورة يناير.

هذا الفيلم الوثائقي، على طرافته الباعثة على الضحك والأسى، كان كاشفاً لهذا التشابه بين الرجلين والشخصيتين، حد التماهي، في المنهج والأدوات، في المضمون والشكل، في المنابع والمصبات، في الغايات والوسائل.

كلاهما يعتمد الدجل والخرافة أسلوباً وحيداً في مخاطبة الجمهور المستهدف، وكلاهما خدوم جداً لإسرائيل، معترفاً بفضلها عليه، وعاملاً بكل السبل على زراعتها في الوجدان المصري، حليفاً وشريكاً وصديقاً ومرجعية.

كلاهما يجسّد قيم مشروع الثلاثين من يونيو 2013 ومرتكزاته، بوصفه إنجازاً تاريخياً للكيان الصهيوني، تخطيطاً ودعماً وحصاداً، وربما على ضوء ذلك اختاروا مواعيد العرس ليعلن عكاشة عقد قرانه على أنثاه في 30 يونيو، ويختار  الثالث من يوليو ليكون يوم الصباحية، في استعارة تاريخيةٍ واضحةٍ لحكاية الانقلاب العسكري في مصر، والذي اعتبره الصهاينة هديةً الرب للشعب الإسرائيلي، ورأى فيه مفتي انقلاب السيسي يوماً من أيام الله، واعتبره علاء الأسواني، وحواريوه، يوماً للفخر.

كانت وقائع حفل قران توفيق عكاشة وزفافه فقرات رئيسية مقرّرة، جبراً لا اختياراً، على جميع وسائل إعلام النظام السيسي/ العكاشي، فتناولت برامج التوك شو المناسبة باعتبارها من أعياد مشروع الثلاثين من يونيو، فجلس السيد كرم جبر، رئيس ما تسمى الهيئة الوطنية للصحافة، بين يدي المذيع أحمد موسى، وهو يحتفل بحفل الزفاف القومي، مستعرضاً لقطات مصورة من العرس، مرسلاً التهاني إلى الدكتور توفيق عكاشة الذي كان قبل عام واحد فقط شخصاً تافهاً، برأي المذيع ذاته، في التعليق على عملية إسقاط عضويته البرلمانية، على خلفية استضافته سفير الكيان الصهيوني في منزله.

في تلك الأثناء، كان النائب مصطفى بكري، الناصري المحترف، يصرخ تحت قبة البرلمان: عكاشة عميل رسمي يشيع الفوضى ويضرب الأمن القومي في الصميم ويتفاوض نيابة عن الإدارة المصرية ويسيء لعلاقاتنا.. متسائلاً في استنكار: هل يعقل أن يخرج على التلفزيون ويقول هفضح الأسرة السعودية واحداً واحدا  وأن الإمارات تدار بالإسرائيليين؟ ثم ينتحب أكثر وهو يزيد: القضية هي رئيس الدولة الذي أهين إهانات بالغة في لقاء عكاشة مع السفير، حيث قال عن الرئيس كلاما أرجو من الأجهزة الأمنية أن تفصح عن التسجيل الكامل.

بعد ذلك الحفل البرلماني الصاخب، من حفلات الوطنية الزاعقة شكلاً، الزائفة مضموناً، احتفلوا في كل وسائل الإعلام بإسقاط عضوية عكاشة، النائب الخائن، العميل المطبع مع الصهاينة. والآن، تعاود كل وسائل الإعلام ذاتها الاحتفال بزواج الشخص ذاته، بوصفه الإعلامي الكبير الوطني المحترم.

الآن، يثبت عكاشة أنه فوق الجميع، وأقوى من الجميع، ليس لقدراتٍ شخصيةٍ استثنائية، وليس لفضائل وطنية، أو خدمات جليلة قدمها بأيدٍ بيضاء للوطن، وإنما يستمد قوته، مثل السيسي، من قربه لإسرائيل، وولائه لها وحرصه عليها. وعلى ذلك، تقرّر تعليق كل العقوبات المادية والأدبية، الموقعة عليه بعد فضيحة استقبال السفير الصهيوني، والانخراط في الاحتفالية الوطنية بفرحه، الذي هو فرح دولة الثلاثين من يونيو المجيدة، أو"المكيدة" بتعبير ساخر لأحد أصدقائي الأعزاء على"فيسبوك".

حكاية عكاشة هي حكاية الثلاثين من يونيو، مسكونة بعديد المعاني والدلالات والقيم، غير أن أهم ما فيها أنها تجسّد المعادلة الجديدة للمواطنة في مصر: أنت مع إقصاء تيار الإسلام السياسي وإبادته، إذن أنت مواطن صالح، حتى لو، أو حبذا لو، أحللت إسرائيل مكان الإخوان والإسلاميين.

 وفي ذلك، لن تجد تفاوتاً كبيراً بين خطاب بعض النخب المصرية، بشأن الإخوان، وخطاب صهيوني عتيد، مثل آفي ديختر عضو الكنيست والرئيس السابق لجهاز الشاباك الإسرائيلي (الأمن العام) الذي أعلن، بكل فخر، أن إسرائيل أنفقت المليارات لإنهاء حكم الرئيس القادم من جماعة الإخوان المسلمين، التي يقول عنها"استولت على الحكم"، و"ركبت ثورة الشبان الليبراليين".

هنيئا للعكاشيين بأفراحهم، وتعاظم أرقام مبيعات كتبهم المترجمة في إسرائيل.

أضف تعليقك