• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: وائل قنديل

كوشنير في عمان، مبعوثاً من ترامب إلى العاهل الأردني، بعد ساعات من مغادرة رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو، لها، والعنوان الثابت: الوضع في غزة وعملية السلام. باختصار: إنها صفقة القرن تتسارع وتيرتها.

يأتي ذلك بعد أيام قلائل من انتفاضة شعبية أردنية احتجاجاً على إجراءات اقتصادية، مفروضة من صندوق النقد الدولي، تكوي ظهور المواطنين، وهي الانتفاضة التي انتهت بزخّات كثيفة من المساعدات الاقتصادية الخليجية، انهمرت على النظام الأردني.

قيل في تحليل مشاهد الانتفاضة الأردنية إنها ربما تكون مفتعلة، والهدف تطويع الأردن للاستسلام لصفقة القرن التي يهرول لتحقيقها محور"عرب ترامب"، ثم رأينا هذا المحور يقدم حزمة مساعدات مالية سخية للملك، ثم أتت مساعدات أخرى من الجهة المقابلة.

وطوال أيام الغضب الشعبي الأردني، كانت هناك محاولات لا تتوقف لتشويه الحراك وابتذاله، من خلال الإلحاح أن التظاهرات تتعلق بمسألة الضغوط الإقليمية والدولية لتمرير مشروع صفقة القرن، على الرغم من أن الثابت تاريخياً، وبحكم الكيمياء "الجيوسياسة"، أن الجماهير الأردنية هي الأكثر رفضاً والأشد مناعة، بمواجهة صفقات التطبيع، العلنية منها والسرية.

إذن، كانت المقدمات تقول إننا بصدد تطور تاريخي في السياسة الأردنية، يجعلها أبعد من أي وقت مضى عن سيناريوهات واشنطن وتل أبيب وعرب التطبيع، غير أن النتائج جاءت على نحو مغاير تماماً مما أشارت إليه المقدمات، فأول من زار الأردن بعد العاصفة هو بنيامين نتنياهو، ثم جاريد كوشنير، زوج ابنة ترامب ومستشار البيت الأبيض، لبحث ما تسمى "عملية السلام".

تحيلك هذه الدراما السياسية الساخنة، مباشرة، إلى الماضي، لتجد فصولاً مشابهة جرت وقائعها قبل 44 عاما في مصر، حين قرّر أنور السادات أن يحكم تحت مظلة "99% من أوراق اللعبة في يد أميركا"، ويبدو مطيعاً جداً للتصور الأميركي للصراع العربي الصهيوني، ويعتنق نصوص صندوق النقد الدولي، ويتخذ قرارات اقتصادية شديدة العنف، اشتملت على إجراءات تقشف وتخفيض دعم السلع الأساسية، أدت إلى انفجار الغضب الجماهيري، مع انتفاضة الخبز والحرية في يناير/ كانون ثاني 1977، وهي الهبة التي انتهت بإجبار السادات على إلغاء القرارات وإقالة وزير داخليته.

على أن انتهاء أحداث الانتفاضة الشعبية كان، في الوقت ذاته، افتتاحاً لزمن سياسي جديد، حضرت فيه تل أبيب وواشنطن، كما لم يحضرا من قبل، إذ ينبئنا التاريخ إن أنور السادات، بعد شهور من انتفاضة الخبز، يناير/ كانون الثاني 1977، قرّر الهبوط بطائرته في مطار بن غوريون نوفمبر/ تشرين ثاني من العام ذاته، ثم يقف في قلب الكنيست الإسرائيلي، مدشناً الزمن الصهيوني الذي لم تتمكن مصر من التمرّد عليه حتى الآن، إذ فعل مثله من بعده، حسني مبارك، طوال ثلاثين عاماً، كان خلالها ملتزماً بما حدّدته واشنطن وتل أبيب من مواصفات الجالس على مقعد السلطة في مصر، ثم استلهم عبد الفتاح السيسي التجربة، وقرّر المزايدة على سابقيه في إعلان الولاء الكامل للتصور الأميركي الصهيوني، مستمتعاً بمزايا الاحتواء الدافئ.

وهكذا هو السيناريو دائما: ترسل واشنطن صندوق النقد ليفتح الباب، ثم تدخل إسرائيل، بعد مرحلة تكسير عظام الشعوب بسياساتٍ اقتصاديةٍ مدمرةٍ، تجعل القضية المحورية، والأولى، هي الكفاح من أجل الحصول على ظروف معيشة آدامية، وتلك هي المناخات المثالية لتمرير أشياء بحجم صفقة القرن من سم الخياط.

أضف تعليقك