بقلم: أيمن نور
في المدة من 23 إلى 26 شباط/ فبراير 2013، عقد حزب غد الثورة، بالتعاون مع جامعة عين شمس، مؤتمرا اقتصاديا تحت عنوان "الاقتصاد المصري.. التحديات وآفاق المستقبل"، بمشاركة عدد من رؤساء الوزراء السابقين، مثل الدكتور عبد العزيز حجازي وعلي لطفي وعمرو موسى، وعدد من الوزراء والمسؤولين، مثل باسم عودة، وعدد من الخبراء في مجال الاقتصاد.
في اليوم الثاني من المؤتمر، وأثناء حفل الغداء بين الجلسة الصباحية والمسائية، اجتمعت على مائدة واحدة مع اللواء بدوي حمودة، نائب رئيس هيئة الرقابة الإدارية، والدكتور خالد علم الدين، مستشار رئيس الجمهورية حينها، والدكتور طارق حماد، عميد تجارة عين شمس، والدكتور صلاح جودة؛ الذي طلب مني أن أنتحى جانبا من قاعة الطعام، للاستماع إلى مشكلة لدى أستاذة في الجامعة تريد أن تعرضها علىّ.
طلبت السيدة مني أن أتوسط لدى اللواء بدوي حمودة في شأن بلاغات منظورة أمام الرقابة الإداريةضد شخص يُدعى مصطفى كمال مدبولي نصار، الذي كان رئيسا لمجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمراني حتى تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي 2012، أي أربعة شهور قبل هذا اللقاء.
قالت لي السيدة إنه شاب وفي مقتبل العمر ومستقبله سيضيع، وإذا كانت هناك مخالفات فيمكن أن يردها، ويكفي أنه ترك الوظيفة الرسمية بالوزارة، ونُقل للعمل في إحدى المنظمات بالخارج.
اعتذرت للسيدة بلطف بدعوى أن الوقت ربما غير مناسب، فضلا عن أنني لا أملك أن أتدخل أو أتوسط في مثل هذا الأمر.
ظل الاسم عالقا بذهني، وبعد قرابة العام قرأت خبرا أثناء وجودي في لبنان وقع عليَّ كصاعقة? لم يكن الخبر هو إحالة المهندس للنيابة العامة، أو للمحاكمة الجنائية، بل هو اختياره وزيرا للإسكان في حكومة المهندس إبراهيم محلب?
لا أعرف من ذلك الذي توسط للرجل، ليس فقط ليفلت من العقاب على أموال استولى عليها بغير حق، لكن ليصعد إلى القمة ويصبح وزيرا في الوزارة التي تركها على أثر اتهامات محددة ومتداولة في الرقابة الإدارية، والنيابة الإدارية والرقيمة بالقضية 123 لسنة 2011 - مكتب فني رئيس الهيئة.
ملف القضية كان يضم إهدار 27 مليون جنيه كمكافآت وبدلات لجلسات وهمية صرفها الرجل لنفسه، إذ كون 26 لجنة بجانب 20 أخرى مُشكلة بقرارات وزارية، ليكون مجموع اللجان 46 لجنة، أكدت التحقيقات أنها لا فائدة منها (وهمية)، وأنه صرف هذه الأموال من ميزانية الأبحاث والدراسات، بالمخالفة للقانون.
فضلا عن قيامه بصرف مبلغ مليون و400 ألف جنيه لنفسه، باعتباره المشرف العام على المشروعات الإنمائية للأمم المتحدة، بالمخالفة للاتفاقيات الخاصة بذلك? فضلا عن صرفه مليون و140 ألف جنيه تحت بند تحقيق الخطة المستهدفة بنسبة 100 في المئة، بينما أثبتت التحقيقات أن ما تم إنجازه هو 59 في المئة وليس 100 في المئة، فضلا عن مليون و100 ألف جنيه صرفها بدل عطلات رسمية بالمخالفة للقانون رقم 47 لسنة 1978.
كما كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أن مدبولي صرف مبالغ كبيرة لخمسة من العاملين برئاسة مجلس الوزراء دون وجه حق أو عمل محدد (الشيء لزوم الشيء) ونفس التقرير أكد أنه لم يتم عمل أي تخطيط إقليمي واحد لجمهورية مصر العربية من الهيئة العامة للتخطيط التي كان يرأسها مدبولي?
يبدو أن هذا القدر من المخالفات وغيرها؛ وفّر الحد الأدنى من المواصفات المطلوبة لتولى مدبولي مملكة وزارة الإسكان، ليرتع فيها كما يشاء، ويفعل أضعاف ما فعله من "إنجازات" في هيئة واحدة من هيئاتها.
والغريب أن مدبولي عندما تم تعينه وزيرا للإسكان تحركت كل الجهات الرقابية التي حذرت من هذا الاختيار، وقدمت لرئيس الوزراء إبراهيم محلب، طلبا بإذن إحالته للقضاء، إلا أن محلب لم يرد وتجاهل الأمر تاركا مدبولي يمارس نشاطه في الوزارة، خاصة في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة الذي سيُكشف الكثير من أسراره قريبا.
وعندما جاء لرئاسة الوزارة المهندس شريف إسماعيل، وزير البترول الذي وصفه عباس كامل بـ"الصايع الضايع" تصور الجميع أن مدبولي سيغادر الوزارة، فرئيس الوزراء "الصايع" لن يقبل ببقاء لص غض محلب الطرف عنه، إلا أن الصايع قبل بوجود واستمرار الوزير اللص رغم وصف المحيطين به لمدبولي بالوزير التافه.
قبل 1952 كان يطلق على رئيس الوزراء لقب "دولة رئيس الوزراء"؛ لأن الرجل الذي يشغل هذا المقعد، كان بحجم الدولة، خبيرا في شؤونها، وإدارتها، لا خبيرا في نهبها وسرقتها.
أسماء كبيرة شغلت هذا المقعد الذي يعتليه اليوم "مدبولي"؛ تحتاج منا اعتذارا مسبقا على الإهانة لهم في قبورهم.
أعتذر لمحمود سامى البارودي، الشاعر والمفكر والسياسي الذي تولى رئاسة الوزراء عام 1882، وأعتذر للزعيم سعد زغلول، الذي تولى رئاسة الوزراء عام 1924، وللزعيم مصطفى النحاس، الذي تولى رئاسة الوزراء عام 1928 وعام 1930 و1937 و1944 و1952، ولمحمد محمود باشا، وأحمد نجيب الهلالي، واللواء محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، وكمال الدين حسين، وعزيز صدقي، وأنور السادات، وممدوح سالم، ومصطفى خليل، وفؤاد محيى الدين، والجنزوري، وعلي لطفي، وعاطف صدقي، وعاطف عبيد، وأحمد شفيق، وعصام شرف.. أعتذر لهؤلاء جميعا ولغيرهم بعد أن جلس على مقعدهم الصايع الضايع وبعده اللص التافه.
للأسف كل شيء في مصر يتقلص يتضاءل، وما الغريب في هذا، عندما يكون الرئيس هو عبد الفتاح السيسي؟
أضف تعليقك