بقلم: إسماعيل ياشا
لم يبق لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة في تركيا إلا أقل من شهر. وفي ظل اصطفاف الأحزاب السياسية، وتشكيل تحالفين انتخابيين، يبحث كثير من المراقبين والمحللين جواب هذا السؤال: "لمن سيصوت المواطنون الأتراك ذوو الأصول الكردية؟"؛ لأن تأييد نسب صغيرة من الناخبين لهذا التحالف أو ذاك قد يغير نتائج الانتخابات.
الناخبون ذوو الأصول الكردية، مثل الناخبين ذوي الأصول التركية، ينقسمون إلى تيارات فكرية وسياسية. فمنهم قوميون ويساريون، ومنهم ليبراليون وديمقراطيون وإسلاميون
هناك سؤال آخر يجب طرحه قبل البحث عن جواب الأول، وهو: "هل يمكن الحديث عن تيار واحد يمثل جميع الناخبين الأكراد؟"؛ لأن القول بأن الأكراد سيصوتون لهذا الحزب أو ذاك يلزم منه أن يكون الناخبون الأكراد موحَّدين ومجمعين على رأي، ولكن الواقع يقول عكس ذلك.
الناخبون ذوو الأصول الكردية، مثل الناخبين ذوي الأصول التركية، ينقسمون إلى تيارات فكرية وسياسية. فمنهم قوميون ويساريون، ومنهم ليبراليون وديمقراطيون وإسلاميون. وإن كان حزب الشعوب الديمقراطي يحل في الانتخابات في معظم المحافظات ذات الأغلبية الكردية في المرتبة الأولى، فإن نسب الأصوات التي تحصل عليها الأحزاب الأخرى من أصوات الناخبين ذوي الأصول الكردية ليست قليلة. وهناك نواب وسياسيون أكراد ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، وغيرهما.
القوميون الأكراد لا يصوتون لحزب الحركة القومية، كما أن القوميين الأتراك لا يصوتون لحزب الشعوب الديمقراطي. ولكن لا يمكن القول بأن الأكراد كلهم لا يصوتون لحزب الحركة القومية، أو القول بأن الأتراك كلهم لا يصوتون لحزب الشعوب الديمقراطي. بل هناك من يصوت من الناخبين الأكراد لحزب الحركة القومية، ومن الناخبين الأتراك لحزب الشعوب الديمقراطي، ولو بنسب قليلة. ولذلك، انتقد رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، "كل من يدَّعي بأن حزب الحركة القومية عدو للأكراد"، ووصفهم بــ"الخونة".
هل يتراجع الناخبون الأكراد الذين صوتوا في الانتخابات السابقة لحزب العدالة والتنمية عن التصويت له بسبب تحالفه مع حزب الحركة القومية؟
ولعل السؤال الأهم هنا هو: "هل يتراجع الناخبون الأكراد الذين صوتوا في الانتخابات السابقة لحزب العدالة والتنمية عن التصويت له بسبب تحالفه مع حزب الحركة القومية؟" هناك مؤشرات تساعد المحللين في تسليط الضوء على جواب هذا السؤال. وأولى تلك المؤشرات أن هؤلاء الناخبين الأكراد، صوتوا في الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية بــ"نعم"، وأيَّدوا الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، على الرغم من أن تلك التعديلات قام بصياغتها وتمريرها في البرلمان حزب العدالة والتنمية بالتحالف مع حزب الحركة القومية.
إن كان حزب العدالة والتنمية شكَّل مع حزب الحركة القومية تحالفا انتخابيا، فإن التحالف الانتخابي المعارض يضم الحزب الصالح الذي تتزعمه ميرال آكشنير، وهو حزب أسَّسه منشقون من حزب الحركة القومية. كما أن آكشنير سبق أن تولت وزارة الداخلية، وكانت حقبتها مليئة بالانتهاكات ضد الأكراد. ولذلك، يتوقع أن يرفض الناخبون الأكراد التصويت لصالح التحالف الذي يضم حزب آكشنير. بل كتب أحد الكتاب المؤيدين لحزب الشعوب الديمقراطي مقالا دعا فيه أنصار الحزب إلى عدم التصويت لميرال آكشنير أو لمرشح حزب الشعب الجمهوري للانتخابات الرئاسية محرم إينجه، حتى لو احتاج أحدهما إلى صوت واحد للفوز.
حزب الشعوب الديمقراطي ما هو إلا ثمرة تحالف الأحزاب اليسارية التركية المتطرفة مع الأكراد الانفصاليين المؤيدين لحزب العمال الكردستاني. ولكن هناك انزعاج في صفوف الطرف الكردي في هذا التحالف من سيطرة الأتراك اليساريين المتطرفين على الحزب. ويرى بعضهم أن الأكراد يتم استغلالهم وتهميشهم في حزب الشعوب الديمقراطي، وأن الحزب فقد "هويته الكردية".
حزب الشعوب الديمقراطي ما هو إلا ثمرة تحالف الأحزاب اليسارية التركية المتطرفة مع الأكراد الانفصاليين المؤيدين لحزب العمال الكردستاني
وفي هذه الأثناء، حدث يوم الاثنين تطور هام، حيث أعلن حزب الدعوة الحرة (هدى-بار) دعمه لرئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، مرشح حزب العدالة والتنمية للانتخابات الرئاسية. وقال رئيس الحزب محمد ياووز، في مؤتمر صحفي عقده في إسطنبول، إنهم اتخذوا هذا القرار من أجل أن يتم بناء النظام السياسي الجديد على أسس سليمة، ونجاح النظام الرئاسي الذي صوتوا لصالحه في الاستفتاء الشعبي.
حزب الدعوة الحرة معظم أنصاره من الأكراد المتدينين، ولذلك دعمه لأردوغان في الانتخابات الرئاسية يمكن وصفه بــ"دعم جديد له من الناخبين الأكراد". وأما الانتخابات البرلمانية فيخوضها رئيس حزب الدعوة الحرة السابق، زكريا يابيجي أوغلو، كمرشح مستقل في محافظة دياربكر، كما يخوضها نائبه آيدين غوك كمرشح مستقل أيضا في محافظة باطمان ذات الأغلبية الكردية.
المواطنون ذوو الأصول الكردية مثل المواطنين ذوي الأصول التركية، لا يصوت كلهم وفقا لتوجهاتهم السياسية والأيديولوجية، بل هناك نسبة كبيرة من الناخبين الأتراك والأكراد سيدلون بأصواتهم في 24 حزيران/ يونيو، من أجل استمرار الخدمات والمشاريع التنموية والأمن والاستقرار، بعيدا عن النعرات الإثنية والحزبية.
أضف تعليقك