في الوقت الذي يتعرض فيه ملايين المسلمين في مختلف دول العالم لروحانيات شهر رمضان المبارك ومعايشة طقوسه في الداخل والخارج، وتنسم عبيره والقيام بواجباته وأداء فروضه، والتلذذ بما يضفيه على البيوت والأسر من ظلال وارفة ومناخ إيماني رباني عظيم، هناك عشرات الآلاف يقبعون داخل زنازين التعذيب والقهر، محرومون من أبسط حقوقهم وأدنى متطلباتهم الإنسانية.
وبينما يحتفل العالم بهذا الشهر وفضائله، يعاني المعتقلون داخل زنازين المعتقلات والسجون، وذلك مع تزايد حدة الانتهاكات ضدهم مع قدوم الشهر الفضيل.
تشير التقارير الحقوقية الواردة بشأن عدد المعتقلين في مصر إلى أنها تتراوح ما بين 40 – 60 ألف معتقل داخل السجون المصرية، لقى 80 منهم حتفهم بسبب سوء الأوضاع المعيشية وتردي مستوى الخدمات الطبية، حسبما أشارت منظمة العفو الدولية في بيان سابق لها.
يحيا المعتقلون داخل السجون المصرية أوضاعًا مأساوية طيلة أيام العام، لكنها في رمضان تبلغ أقسى درجاتها، حيث يتزامن دخول الشهر مع فصل الصيف والارتفاع الكبير في درجات الحرارة، وعدم ملاءمة الزنازين وأماكن الاحتجاز، ومن ثم فإن حالات الوفاة تكثر في مثل هذه الأيام.
الزنازين الضيقة المكتظة بالمعتقلين، والحرارة المرتفعة، وغياب التهوية، مع الصيام وعدم تناول الطعام والشراب، كل هذا يجعل من رمضان عبئًا على كاهل المحبوسين يضاف إلى أعباء المعيشة العادية التي ترتكب بحقهم داخل تلك المراكز غير المؤهلة في الليل والنهار.
تزايد الانتهاكات
استقبلت سجون الانقلاب رمضان بمزيد من الانتهاكات ضد المعتقلين، حيث ترفض إدارات السجون دخول المراوح الكهربائية أو الثلاجات، لحفظ الطعام الذي يفسد معظمه نتيجة تعمد الإدارة إدخال جميع زيارات الأهالي في يوم واحد فقط من الأسبوع، مما يؤدي إلى إصابة المعتقلين بالنزلات المعوية.
وترفض إدارة السجن دخول الأدوية أو علاج المعتقلين بالمستشفيات، ويتم التضييق عليهم في دخول الكتب الدراسية للطلاب لأداء امتحانات نهاية العام، ولم يسلم المعتقلون وذووهم من الإهانات والمعاملة السيئة من المسؤولين عن إدارة السجن، خلال الزيارة.
وفي رصد للمعاناة، يؤكد المعتقلون أن إدارة السجن تتعنت معهم ما يزيد من أعباءهم في نهار هذا الشهر الكريم، حيث صرح أحدهم بأن إدارة السجن كانت تُسلمهم وجبة الإفطار (التعيين) في السابعة من صباح كل يوم في شهر رمضان، ليتم تناولها بعد آذان المغرب، بعد أن تكون غير صالحة للأكل، مشيراً إلى أنهم كانوا في أوقات كثيرة يرفضون استلامها لسوئها.
أما عن كيفية تناول الإفطار في ظل فقدان الوجبات المقدمة لهم لصلاحيتها، أشار أحد المعتقلين أنهم كانوا يعتمدون بشكل أساسي على طعام الزيارات والتي تكون مرة كل أسبوع لأهل المحبوس احتياطياً، وكل 16 يوماً للمحكوم عليه، مشيراً إلى أن إدارة السجن منعت دخول أنواع كثيرة من طعام الزيارات للمعتقلين للتضييق عليهم وإجبارهم على استلام وجبات السجن.
معاناة المعتقلين وأسرهم
قدان الإحساس برمضان وروحانياته والتمتع بطقوسه لم يقتصر فقط على المعتقلين داخل السجون هنا وهناك، بل ينسحب هذا التأثير على أسر وعائلات المحبوسين، ممن يعانون أشد المعاناة جرًاء غياب الزوج أو الأخ أو الإبن عنهم.
وتتجسد تلك المعاناة فيما تواجهه عائلات المعتقلين من صعوبات وذلة ومهانة عند زيارة ذويهم داخل السجون لتقديم وجبات الطعام لهم أو الإطمئنان عليهم، فقد تقضي الأسرة طيلة اليوم بهدف التمكين لها من زيارة سجينها، منذ الفجر وحتى الخامسة قبل أذان المغرب، وهو ما يحول هذا الشهر إلى شهر معاناة وألم ومشقة بالرغم مما يفترض أن يكون فيه من رحمة وسكينة وطمأنينة.
فكيف يكون حال الإبن الذي يقضي رمضان ووالده داخل السجن؟ وكيف تتمكن الزوجة من الاستمتاع بهذا الشهر وزوجها بعيد عنها في غياهب المعتقلات؟ وكيف للأم أن تتحمل أن يأتي رمضان وفلذة كبدها يعاني بين أربعة جدران خرسانية تقف حائلا بينه وبين الحياة؟
أضف تعليقك