• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

يقول الله تبارك وتعالى (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُوْرِ) (الشورى: )، وعن أبي مالكٍ الحارث بن عاصمٍ الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن- أو- تملأ ما بين السموات والأرض، والصلاة نورٌ، والصدقة برهانٌ، والصبر ضياءٌ، والقرآن حجةٌ لك أو عليك. كل الناس يغدو، فبائعٌ نفسه فمعتقها، أو موبقها"... (رواه مسلم).

وباستعراض الموسم العطر والضيف الكريم والحدث الجلل بدخول موسم الطاعات وملاذ النفحات، ومواقيت الروحانيات، ومستمطر الرحمات، شهر رمضان الذي لا يقدره حق قدره إلا خالقه، ولا ينزله حق منزلته إلا العارفون الصادقون في محبتهم لله تعالى، نجد من خلال واقعنا الإسلامي المعاصر، وفهمنا السَّلفي المنهج، المحمديِّ العقيدة أن رمضان صيد ثمين يحتاج لصبر جميل.

وكما عوَّدناكم أحبتنا القراء الفضلاء، أن نقف مع مفردات المقال، فنقول وبالله التوفيق:

رمضان صيد ثمين

1- رمضان صيد ثمين للتقوى، ومن أجل ذلك فرض الله الصيام، فأي بحر زاخر، وأي واحة صافية، وأي ماء عذب تجد فيه ذاك الصيد الثمين (التقوى) مثل موسم الصيام في رمضان؟! بالطبع لن تجد أمواجًا زكيةً عبقةً فوّاحةً تشمُّ منها بقلبك وجوارحك روائح التقوى؛ ففي رمضان تجد العروق قد انطفأت بالجوع لوجه الله تعالى، والشهوات قد نامت وخمدت نيرانها ببركة القيام والتفكير في الآخرة، وتجد لسانك رطبًا بذكر الله، وتجد رائحة الفم والتي كانت مليئةً بالدخان والغيبة والنميمة وكثرة الكلام، رائحة الفم أطيب عند الله من ريح المسك؛ لتركها الدخان والمحرمات السالف ذكرها، وكذلك كل محطات اليوم الرمضاني، سهل جدًّا الحصول على هذا الصيد الثمين من شهر رمضان الجميل بالصبر على الشهوة الحلال، وكذا الشهوة الحرام، فلا يجوز لك إتيان المرأة بنهار رمضان، سواء من طريق الحلال أو من طريق الحرام؛ ولذا تحتاج لصبر طويل، أسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياك لصيد التقوى ورسوخها بقلوبنا في هذا الشهر الكريم،، فهلا قلت آمين.. اللهم آمين.

2- رمضان صيد ثمين للتوبة ومن أجل ذلك ينبغي لك أخي الصائم وأختي الصائمة تجهيز قلبك وعقلك في رمضان؛ لتحصيل التوبة النصوح، ولن تجد شاطئًا مناسبًا لاصطياد التوبة من شاطئ رمضان الزكي، ولكي تحصل على هذا الصيد الثمين عليك بردِّ الأمانات إلى أهلها، ومسامحة من أساء إليك أو طغى عليك، والتحلل منه اليوم قبل الغد، والإقلاع الفوري عن كل معصية وذنب، والعزم القويّ الصادق على أن يكون رمضان نهايةً لطريق مظلم وبداية لطريق مشرق؛ فهل من صبر جميل، فلا مجالس تغضب الله، ولا أقوال لا يرضى عنها الله، ولا إعانة لظالم على التشفي من الضعفاء والمساكين.

ورسالة نوجهها للظالمين في الداخل والخارج؛ أن اتقوا الله في رمضان، وافتحوا سجون المظلومين، وأخلوا سبيلهم، وائذنوا بعودتهم إلى أهاليهم اليوم قبل الغد، واعلموا أن القاضي من الممكن أن يخطئ في العفو خيرًا له وأسلم من أن يخطئ في العقوبة، عمومًا اجعلوا من رمضان بداية تعرف حقيقي على الله وعودة صادقة إليه.. أسأل الله لكم الهداية والرشاد والانتباه لما ينفعكم في الدنيا والآخرة.

3- رمضان صيد ثمين للخوف من الله تعالى؛ فالمسلم في هذا الشَّاطئ الهادئ الأمواج العذب المذاق بالإقبال على الله تعالى وصدق اللجوء إليه يحصل على الخوف من الله والذي تتغير معه حياته جذريًّا، ولن يحصِّل ذلك إلا بصبر جميل عن كل ما يغضب الله تعالى ويحول دون حبه، وذلك على النحو التالي:

- يصوم بكل جوارحه خوفًا من الله أن ينقص أجره أو يضيع عمله أو يكون حظه من صيامه الجوع والعطش ومن قيامه السهر والتعب.

- وحتى يصطاد المسلم من شاطئ رمضان الخوف عليه بكثرة الدعاء والإلحاح على الله أن يقذف في قلبه خوفًا منه وخشيةً له ورغبةً وطمعًا في جنته، وأن يجعله أعظم الناظرين إليه "لا تنظر إلى حجم المعية ولكن انظر إلى عظمة من تعصي

- عليك أخي الصائم بصحبة الخائفين من الله؛ فبصحبتهم تكتسب الخوف من الله، إن ذكرت الله في رمضان أعانوك، وإن نسيت ذكَّروك، بل بالنظر في وجوههم تتذكر الآخرة، ويعظم شأن الله في عينك.

4- رمضان صيد ثمين لتحصيل الأخوَّة في الله تعالى، والأخوة ليست كلامًا بل منهج حياة

أخاك أخاك إن من لا أخ له            كذاهب إلى الهيجا بغير سلاح

فبحر رمضان مليء بالإخوان الصادقين الذين تجدهم بالمساجد في القيام معك أو بدروس العلم الشرعي أو بالمناسبات الدينية العامة أو بمجامع الإفطار؛ فانتبه لهم وتميَّز في التواصل معهم بالابتسامة والتهنئة وخفض الجناح والهدية، والسؤال عنهم وبناء جسور الأخوَّة الصادقة، بالاقتراب منهم، وتفتيح مجالات الخير لهم، عليك بهم ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا.

والسؤال الذي يطرح نفسه: الإخوان في رمضان صيد ثمين فما نوع الصبر اللازم لاكتساب مودتهم والنجاح في النفوذ إلى قلوبهم؟

- التفرُّس في وجوه الصالحين الموجودين معك بصلاة القيام، واترك المجال لقلبك سيدلّك عليهم، فكما يقولون: لو دخل مؤمن مجلس منافقين ليس فيهم إلا مؤمن واحد لترك الجميع وجلس بجوار أخيه المؤمن؛ لأن القلوب دلالة الخير، والعكس بالعكس.

- ابتسم في وجوه الصائمين من إخوانك والقائمين بالمسجد معك، وأنتِ كذلك أختي في الله؛ فالابتسامة بريد الحب في الله؛ لا سيما إذا صاحبتها النية الصالحة.

- انتقِ كلماتك أثناء حوار التواصل؛ فلا تنادهم إلا بأحبِّ الأسماء إلى قلوبهم، واقبل منهم أي كلام، لكن.. انتبه لكلماتك؛ حتى لا تجرح لهم شعورًا ولا تخدش لهم أحاسيس.

- أفسح لهم في المجلس وفي الصف الأول، وأظهر حبك الخير لهم، وابدأهم بالسلام، واسأل عنهم، ولا يمرَّن رمضان عليك إلا وقد خرجت بإخوة صالحين تتواصل معهم لنصرة الدين وخدمة الإسلام، وكذلك أنتِ أختي في الله لا يسبقنَّك الرجال لمثل هذا الصيد الثمين.. الأخوَّة الصادقة الخالصة الصالحة لوجه الله تعالى.

5- أيضًا والله رمضان صيد ثمين لتحصيل الجنة، وذلك بسؤال الله الدائم لها؛ فأي منتجع فاخر وأي شاليه راقٍ مثل واحة رمضان الذي يصطاد منه المسلم الجنة، فإذا ما صمت كما ينبغي، وقمت كما هو مطلوب، وعاملت ربك كما هو معهود، وتواصلت مع إخوانك كما هو مفروض حزت ورب الكعبة الجنة؛ فلله عتقاء في هذا الشهر لا يعلم بعددهم أحد إلا الله؛ لذا عليك بالصبر الجميل لتحصيل هذا الصيد الثمين على الوجه الآتي:

• مراقبة الله طيلة صيامك، وعزمة القلب على الجنة ورفع لواء لن يسبقني إلى الله أحد، فلا تسمح لكائن من كان أن يفسد عليك صيامك (تلفاز- نت- صاحب سوء- غيبة- نميمة- ضياع وقت- نوم طويل- ترك الصلوات) قف صارمًا مع كل هذه الشواغل التي تقطعك عن الله.

• التخطيط الجيد لليوم وعمل برنامج يستوعب جميع أوقاتك بحيث يصل بك المسار العام للخطة إلى الجنة حتمًا بأمر الله تعالى؛ بحيث تكون الخطة متكاملةً متنوعة الفقرات واقعية التنفيذ مرنة الفقرات، واستعن بالله ثم بأصحاب الأوقات المنظمة ولا تضيع صيامك مع أصحاب الارتجالية والعشوائية في حياتهم (كلب صاحب الصالحين فذكر بالقرآن فما بالك بمسلم يصاحب الصالحين؟!).

• أكثر من سؤال الله الجنة فهو الكريم الذي يعطي دون أن يسأل، فما بالك لو سئل!!، فسله، ومواطن السؤال برمضان كثيرة قبيل الفجر بعد السحور وبعد الفجر مع أذكار الصباح وقبيل الإفطار مع أذكار المساء وعقب كل عبادة وتلاوة للقرآن وعقب القيام، وقبل انصراف الإمام من التراويح، سل الله فأنا لا أحمل لك والله همَّ الإجابة، ولكن أحمل همَّ الدعاء، قال رجل: "يا رسول الله إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ لكني أسأل الله الجنة وأستعيذ به من النار، فقال له النبي: "وهل ندندن إلا حولها" 
كما عودتكم أني أفتح مجالات فقط، والمراد من كلماتي هذه أن أقول لك: انتبه؛ فأنت بموسم الصيد الثمين، فهلا كنت صاحب صبر جميل، ورؤية واضحة للأحداث والمعاني الجميلة التي تدور من حولك في هذا الميدان الرحب الفسيح العطر الفواح، ميدان الصيام، بنفحاته وبركاته وعطاياه؟!!

أحبتي القراء.. أحبكم في الله، وأتمنى من الله العون والتوفيق والقبول والسداد لي ولكم، وأدعوه أن يرزقنا الجنة والحور العين، ويفتح لنا قلوب إخواننا، وأن يفك أسرانا بصحوة إسلامية صحيحة، على كتاب الله تقوم، وبسنة رسول الله تهتدي، ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبًا، وكل عام أنتم بخير، ولا تنسوني من صالح دعواتكم.. أليس كذلك؟! بلى.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا المقال نُشر في إخوان أون لاين بتاريخ 9 أغسطس 2011

أضف تعليقك