بقلم: محمد هاشم
في الخامس عشر من مايو كل عام تنتعش الذاكرة بحديث النكبة الفلسطينية الذي لا ينسى مرت أعوام ولازال الفلسطينيون يبحثون بدأب عن حقهم الأصيل في العودة لفلسطين في الوقت الذي يقوي فيه المحتل الاسرائيلي الغاصب نفوذه يبدع العقل الفلسطيني المناضل في تجديد طرق المقاومة ومفاجئة الكيان بما يقض مضجعه ويجعل حلم العودة أقرب من ذي قبل ساحبا الشرعية الوهمية التي يسوقها الكيان لدى العالم من أنه دولة مستقلة ذات سيادة وقد بدأ الفلسطينيون في تنظيم مسيرات في هذا اليوم من كل عام لربط العودة في ذهن الأجيال المتعاقبة وعدم تماهي المشتتين في المهجر إلا أن هذا العام كان الوضع مختلفا فقد تزامن مع موعد نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى إسرائيل في رسالة منها الى تثبيت القدس عاصمة لدولة الكيان في أذهان العالم فكان الرد بمسيرة العودة الكبرى.
النكبة.. بداية الجرح
بدأت القصة في العام 1948 حيث هجر أكثر من 80% من الفلسطينيين من مساحة 80% من أرض فلسطين التاريخية التي استولت عليها الحركة الصهيونية وأسست بها دولة سمتها "إسرائيل". يصف الفلسطينيون عام 1948 بعام "النكبة
بقي حوالي 150.000 فلسطيني، لم يتم تهجيرهم، داخل إسرائيل في عام 1948، وفرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية، لكن إسرائيل طبقت عليهم حكما عسكريا على مدى عشرين عاما. ثم طبقت هذا الحكم العسكري لاحقا على فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة بعد احتلال عام 1967.
تاريخ من المذابح
يؤكد العديد من المؤرخين العسكريين أن عملية التهجير القسري للفلسطينيين قد تمت بشكل مبرمج ومخطط بهدف "تطهير" فلسطين من سكانها العرب، وقد واكبت عملية التهجير القسري حملات مكثفة من العنف والإرهاب والمجازر والتي شكلت إحدى الأسباب الرئيسية لهجرة عرب فلسطين قراهم ومدنهم.
كما رافقت العمليات العسكرية سياسة الحرب النفسية من خلال تسريب أخبار المجازر على نطاق محلي كي تصل أنباء القتل الجماعي والاغتصاب والهدم إلى الفلسطينيين، وذلك كي تزرع في نفوس السكان حالة من الهلع والذعر ليقوموا بإخلاء قراهم حفاظا على أرواحهم ومتاعهم وأعراضهم. ومنذ الإعلان عن قرار التقسيم رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947, كان يسكن في المناطق التابعة للدولة اليهودية -حسب قرار التقسيم- ما يزيد عن 243 ألف عربي في 219 قرية وأربع مدن هي حيفا وطبريا وصفد وبيسان. وقد هجر من هذه المناطق -في الفترة الواقعة بين قرار التقسيم وحتى شهر حزيران/يونيو 1948- ما يزيد عن 239 ألف عربي وأخليت ودمرت 180 قرية عربية تماما, كما هجر سكان ثلاث مدن كبرى كليا هي صفد وطبريا وبيسان, بينما بقي في حيفا 1950 فلسطينيا وبالمقابل قامت المنظمات العسكرية الصهيونية بتهجير ما يقارب 122 ألف عربي من المناطق التابعة للدولة الفلسطينية, وأخليت ودمرت 70 قرية تماما وهجر سكان يافا وعكا بشكل كلي تقريبا كما تم تهجير جزء كبير جدا من سكان مدينتي اللد والرملة.
ونحاول رصد أبرز المذابح الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني داخل حدود فلسطين التاريخية والتي كثرت إبان إنشاء وقيام الدولة العبرية، وقد كان الهدف الكامن وراء تلك المذابح تفريغ المدن والقرى الفلسطينية من أهلها لتوطين اليهود القادمين من الخارج.
مذبحة بلدة الشيخ 31/12/1947
اقتحمت عصابات الهاغاناه قرية بلدة الشيخ (يطلق عليها اليوم اسم تل غنان) ولاحقت المواطنين العزل، وقد أدت المذبحة إلى مصرع العديد من النساء والأطفال حيث بلغت حصيلة المذبحة نحو 600 شهيد وجدت جثث غالبيتهم داخل منازل القرية.
مذبحة دير ياسين 10/4/1948
داهمت عصابات شتيرن والأرغون والهاغاناه قرية دير ياسين الواقعة غربي مدينة القدس (تقوم على انقاضها اليوم مستعمرة إسرائيلية تسمى جفعات شؤول) في الساعة الثانية فجرا، وقد شرع أفراد العصابات الإسرائيلية بقتل كل من وقع في مرمى أسلحتهم. وبعد ذلك أخذوا بإلقاء القنابل داخل منازل القرية لتدميرها على من فيها، حيث كانت الأوامر الصادرة لهم تقضي بتدمير كل بيوت القرية العربية، في الوقت ذاته سار خلف رجال المتفجرات أفراد من الأرغون وشتيرن فقلوا كل من بقي حيا داخل المنازل المدمرة.
وقد استمرت المجزرة حتى ساعات الظهر، وقبل الانسحاب من القرية جمع كل من بقي حيا من أهالي القرية حيث أطلقت عليهم النيران لإعدامهم أمام الجدران، وقد استشهد 360 فلسطينيا معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال.
مذبحة قرية أبو شوشة 14/5/1948
بدأت المذبحة في قرية أبو شوشة القريبة من قرية دير ياسين فجرا، راح ضحيتها 50 شهيدا من النساء والرجال والشيوخ والأطفال ضربت رؤوس العديد منهم بالبلطات، وقد أطلق جنود لواء جعفاتي الذي نفذ المذبحة النار على كل شيء يتحرك دون تمييز.
مذبحة الطنطورة 22/8/1948
في الليلة الواقعة بين 22 و 23 أيار 1948 هاجمت كتيبة 33 التابعة للواء الكسندروني (التي دعيت آنذاك باسم "كتيبة السبت" لأنه كان يلقى على عاتقها في كل نهاية أسبوع, إبان حرب العام 1948, مهمة جديدة) قرية طنطورة. احتلت القرية بعد عدة ساعات من مقاومة أهالي البلده لقوات الاحتلال الإسرائيلي, وفي ساعات الصباح الباكر كانت القرية كلها قد سقطت في يد جيش الاحتلال، وانهمك الجنود الإسرائيليون لعدة ساعات في مطاردة دموية شرسة لرجال بالغين بهدف قتلهم. في البداية أطلقوا النار عليهم في كل مكان صادفوهم فيه في البيوت في الساحات وحتى في الشوارع. وبعد ذلك أخذوا يطلقون النار بصورة مركزة في مقبرة القرية.
وقد خلفت المذبحة أكثر من 90 قتيلا دفنوا في حفرة كبيرة وفي المقبرة التي دفنت فيها جثث القتلى من أهالي القرية في قبر جماعي, أقيمت لاحقا ساحة لوقوف السيارات كمرفق لشاطئ "دور" على البحر المتوسط جنوبي حيفا.
اتفاقية "أوسلو" وحلم العودة
عام 1993 دخلت كلمة "أوسلو" التاريخ الفلسطيني لتغير أحداثه خلال الأعوام العشرين اللاحقة، حيث عُقدت مفاوضات سرية عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل لتفتح فصلاً جديداً في التاريخ الفلسطيني الحديث، أدت إلى توقعات بحدوث سلام في فلسطين، لكن مجريات الأحداث أثبتت عدم جدية إسرائيل للتوصل إلى حل سلمي للمسألة الفلسطينية.
وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية مبادئ أوسلو، لكن كل طرف كان له هدف مختلف. رأت إسرائيل أن ما أعطته للفلسطينيين هو أقصى ما يمكن التنازل عنه برأيها، في حين رأت منظمة التحرير أن ما حصلت عليه يومها هو مقدمة لبناء الدولة المستقلة، لكن إسرائيل داست على الاتفاق وتصرفت تصرف المحتل.
الاحتلال.. وهم الوطن البديل
إنه الاحتلال الوحيد الذي ما زال قائماً، وإسرائيل ترفض الانسحاب. خطة شارون عام 2002 ما زالت قائمة، قطاع غزة محاصر بشكل محكم، ثلاثة كانتونات في الضفة الغربية تحيط بها مستعمرات استيطانية ويشرف عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي، الحل الوحيد الذي تقدمه إسرائيل هو تهجير ما تبقى من الشعب الفلسطيني. “هناك دولتهم شرقي النهر، ولا مكان لهم بيننا”.
مضى على نكبة فلسطين أربعٌ وستون عاماً، وغاب من عمرها معاصرون كثيرون، وولد في ظلها أجيالٌ آخرون، وشاب في حبها عديدون، وفني دونها مقاتلون، ونشأ لأجلها مقاومون، وضحى في سبيلها أبناؤها المخلصون، وما زال حلم العودة إليها يسكن قلب كل فلسطيني، يعيش في نفوسهم، ويكبر مع أطفالهم، ويشتد مع ناشئتهم، ويترسخ عقيدةً لدى شيوخهم وعجائزهم، يرسمه الأطفال على أوراقهم، وينقشه الكبار في قلوبهم، وتطرزه النساء أثواباً وفساتين، وتلبسه العروس في يوم زفافها، ويحمله الشباب بندقية وعصا، وسكيناً ومدية، ويسعى لأجله الرجال والمقاومون بقنبلةٍ وعبوة، وصاروخٍ وقذيفة.
إنه حلمٌ أكبر من أن يشطبه بطش الاحتلال، وأعظم من أن يزيله من قلوب أصحابه ظلم السجان، مهما بلغت قوته وتعاظمت سطوته، وتآمر معه الحلفاء، وتعاون معه الأعداء، فهذا الأمل يتوارثه الفلسطينيون ويتواصون به، يشربونه مع حليب أطفالهم، ويتعلمونه مع آيات قرآنهم، ويؤمنون به يقيناً كفلق الصبح وكنور الشمس، وينتظرون يوم العودة ليكون حقيقة لا مجرد أماني وأحلام، ويكون واقعاً لا خيال.
فاليوم الذي سيطأ به الفلسطينيون بأقدامهم أرضهم من جديد، وسيفتحون بمفاتيحهم الحديدية الصدئة أبواب بيوتهم القديمة، قادمٌ لا محالة اليوم أو غداً، وسيعودون من جديد إلى بساتينهم وحقولهم، يقطفون البرتقال، ويجمعون أعشاب الزعتر وحبات الزيتون، وسيلتقون من جديد على شواطئ حيفا، وأحراش الكرمل، وأسوار عكا، وسيمرون على يعبد وجنين والقسطل وحطين، وسيصلون في مساجد فلسطين العتيقة ومسجدها الأقصى الأسير، وستقرع أجراس الكنائس في الناصرة، وسيسير المؤمنون في وادي القلط وسيعبرون إلى كنيسة المهد، وسيحيون قداس المسيح في بيت لحم.
مسيرات العودة
أطلقت جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين في إسرائيل بدءا من الثلاثين من أبريل/نيسان 1998 تحركا سنويا للاجئين الفلسطينيين الذين أبعدوا قسرا عن قراهم منذ عام 1948، على خلفية ما يعتبره الفلسطينيون داخل الخط الأخضر تجاهلا لهم في اتفاق أوسلو، ونظمت أولى المسيرات نحو قرية الغابسية (شرق عكا).
ويقوم الآلاف كل عام باختيار قرية مدمرة ضمن أراضي فلسطين التاريخية لزيارتها في يوم احتفال إسرائيل باستقلالها حسب التقويم العبري.
منذ انطلاق مسيرات العودة عام 1998 أصبح الآلاف وأحيانا عشرات آلاف الفلسطينيين يلتقون سنويا في مسيرة العودة للقرى المهجرة بذكرى النكبة من أجل تكريس الوعي لدى الأجيال بتاريخ الأرض والهوية.
وتشارك بعض الجمعيات اليهودية -أحيانا- في هذه المسيرات بدل الاحتفاء بيوم "استقلال إسرائيل"، ومن بينها منظمة "زوخروت" التي تعمل من أجل إطلاع اليهود على الرواية التاريخية الفلسطينية.
وهذه قائمة بمسيرات العودة التي نظمتها جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين في إسرائيل منذ انطلاقتها قبل أكثر من عقدين من الزمن
التسلسل الزمنى لمسيرات العودة
- 1998 مسيرة العودة إلى قرية الغابسية شرق عكا.
- 1999 مسيرة العودة إلى قرية صفورية شمال الناصرة.
- 2000 مسيرة العودة إلى قرية الدامون المهجرة شرق عكا.
- 2001 مسيرة العودة إلى قرية معلول قضاء الناصرة.
- 2002 مسيرة العودة إلى قرية البروة قضاء عكا.
- 2003 مسيرة العودة إلى قرية أم الزينات في حيفا.
- 2004 مسيرة العودة إلى قرية إندور جنوب شرق الناصرة.
- 2005 مسيرة العودة إلى قريتي هوشة والكساير شرق حيفا.
- 2006 مسيرة العودة إلى قرية أم الزينات في حيفا.
- 2007 مسيرة العودة إلى قرية اللجون في مرج ابن عامر بقضاء جنين.
- 2008 مسيرة العودة إلى قرية صفورية شمال الناصرة.
- 2009 مسيرة العودة إلى قرية الكفرين جنوب حيفا.
- 2010 مسيرة العودة إلى قرية مسكة جنوب غربي طولكرم.
- 2011 مسيرة العودة إلى قريتي رويس والدامون شرق عكا.
- 2012 مسيرة العودة إلى قرية كويكات شمال شرق عكا.
- 2013 مسيرة العودة إلى قرية خبيزة جنوب شرق حيفا.
- 2014 مسيرة العودة إلى قرية لوبية غرب طبريا.
- 2015 مسيرة العودة إلى قرية الحدثة جنوب غرب طبريا.
- 2016 مسيرة العودة إلى قرية وادي زوبالة في النقب.
- 2017 مسيرة العودة إلى قرية الكابري المهجرة في قضاء عكا
- 2018 تقرر أن تتوجه مسيرة العودة إلى قرية عتليت جنوب مدينة حيفا.
مسيرة العودة الكبرى:
كانت الهيئة الوطنية لمسيرات العودة وكسر الحصار قد دعت الجماهير الفلسطينية للمشاركة الواسعة والفاعلة في مليونية العودة لإحياء الذكرى الـ70 لنكبة فلسطين وللتنديد بنقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس المحتلة.
وشل الإضراب العام كافة مناحي الحياة في قطاع غزة مع بدء الزحف لإحياء ذكرى النكبة والتنديد بنقل السفارة الأميركية، وهو ما أعلنت عنه لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية.
ودعت اللجنة الجماهير الفلسطينية للمشاركة الواسعة في مليونية الغضب على حدود قطاع غزة الشرقية للتأكيد على حق العودة وكسر الحصار والتنديد بكل أشكال التطبيع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي.
كما طالبت القوى الفلسطينية في بيانها سفراء دول العالم في إسرائيل بمقاطعة احتفال نقل السفارة الأميركية للقدس.
ومع بداية الاحتجاجات ألقت طائرات إسرائيلية مسيّرة قنابل حارقة على خيام العودة في عدد من نقاط التماس المتاخمة للسياج الحدودي شرق غزة.
وقال شهود عيان إن القنابل الحارقة ألحقت أضرارا مادية في عدد من الخيام دون أن يبلغ عن وقوع إصابات.
وكانت طائرات إسرائيلية ألقت في وقت سابق منشورات دعائية على قطاع غزة تضمنت تحذيرا للفلسطينيين من مغبة الاقتراب من الحدود وتحريضا على حركة المقاومة الإسلامية حماس، وذلك للمرة الثانية في الساعات القليلة الماضية
وكانت الحصيلة أن استشهد 37 فلسطينيا بينهم طفلان وسقط أكثر من ألف جريح برصاص الاحتلال مع توافد آلاف المتظاهرين على مخيمات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة. وفي الضفة انطلقت مسيرة العودة إحياء للنكبة ورفض نقل السفارة الأميركية بالقدس التي أحيطت بإجراءات أمنية مشددة من الاحتلال. كما دعت القيادة الفلسطينية لاجتماع طارئ.
وقالت مصادر طبية في غزة إن من بين المصابين أربعة صحفيين فلسطينيين أصيبوا بالرصاص الحي ووصفت جراحهم بالمتوسطة.
والسؤال الان إلى متى سنبقى نحيي ذكرى النكبة، ونراكم في عمرها سنيناً عاماً بعد عام، فتكبر معنا وتهرم مع شيوخنا، وتترك آثارها في نفوسنا، تؤلمنا وتحز في قلوبنا، يموت معاصروها ومن ولدوا أيامها، وتنفطر قلوب من لم يعيشوا فيها ولم يواكبوا نكبة بلادهم، ورحيل وشتات أهلهم، فهذا هو العقد السابع للنكبة، عمرها يكاد يفوق عمر أكبر عجوزٍ فلسطيني ممن شهدوا النكبة، وعاشوا بعضاً من طفولتهم في فلسطين.
أضف تعليقك