(ما ظهر الاستبداد فى بلد إلا قال له الفشل خذنى معك).. تلك مقولة شهيرة فى عالم السياسة، تختصر حال المحروسة الآن، وأحوال بلاد أخرى فى عالمنا العربى التعيس؛ فالفشل صنو الطغيان وقرينه لا يفترقان؛ لذا من أول ساعة وقع فيها الانقلاب الدموى (يونيو 2013) توقعنا ما نراه الآن من تراجع وتخلف على المستويات كافة..
العجيب أنه كانت هناك مقولة شهيرة لـ(شيخ منصر العسكر/ ناصر الخاسر) تقول: (إن الأيدى المهزوزة لا تنتج) –وصدق وهو كذوب؛ كالثعلب فى ثياب الواعظين؛ فإن الإنسان القلق الخائف المضطرب الذى يلاحقه سوط الجلاد لا يمكنه الإنجاز أو التطوير، بل لا يستطيع الخروج من دائرة الإحباط التى طوقه بها المستبدون الأشرار، وتصير غايته أن يكون ترسًا فى آلة معطوبة يحركها الطغاة؛ يصفق لهم إذا ضحكوا، ويتوارى جبنًا ورعبًا إذا غضبوا..
وواقع الأمم المعاصرة وتجاربها يؤكدان ما ذهبنا إليه؛ فالكوريتان، الشمالية والجنوبية، أرضهما واحدة وإنسانهما واحد، وجغرافيتهما واحدة ومناخهما واحد؛ لكن إحداهما (الجنوبية) تصدر للعالم الآن أحدث ما وصل إليه العلم فى مجالات التكنولوجيا والصناعات المتطورة والسيارات وغيرها؛ أما الأخرى (الشمالية) فلا زال أهلها يأكلون الكلاب، ولا زال قطاع كبير منهم يعتقدون بألوهية حاكمهم الذى لا يشك من يراه فى مرضه النفسى وجنونه العقلى؛ وما تقدمت التى تقدمت إلا لمعقولية الحكم السياسى بها، وما تخلفت الأخرى إلا لشطط حكامها واستبدادهم، وقهرهم الإنسان مناط الإنتاج، ولب الحضارة وأساسها..
ولو فعلها منصف وقام بمقارنة ما نحن فيه الآن من فشل وتراجع، وحالنا قبل الانقلاب –رغم عدم رضانا بالطبع عن الفترات السابقة- لهاله الإحصاء؛ رغم قصر المدة (خمس سنوات)؛ فماذا –لا قدر الله- لو استمر هذا البلاء لسنوات أخرى؟ لقد كشفت أحداث السيول التى أغرقت منطقة التجمع الخامس وغيرها عن انهيار كبير فى البنى التحتية للمدن، مع العلم أن المناطق المنكوبة هى الأحدث والأرقى، وعن انهيار مماثل فى خدمات الغوث والإسعاف، وقد سمعنا عن مواطنين حوصروا فى الطرق أو فوق أسطح منازلهم لنحو عشر ساعات فما وجدوا مسعفًا ولا مغيثًا من جانب السلطات التى لم تعلق على ما جرى حتى الآن!!
والأرقام تتحدث عن اقتصاد منهار، وتراجع مدو، وديون متراكمة تزداد كل دقيقة وتسجل معدلات مخيفة تقترب من حد إعلان الإفلاس، وما استتبع ذلك من غلاء خانق اكتوى به الغنى كما الفقير؛ غير العديد من المشكلات التى باتت تنخر فى استقرار البلاد وأمنها مثل البطالة والعنوسة والطلاق، فضلا عن العجز التام أمام قضايا مدمرة مثل المخدرات، وتردى الأخلاق، والجريمة بأنواعها، والتفاصيل أمرّ وأدهى؛ فالحديث عن خدمات الصحة والأمن والتعليم والطرق يصدمنا بحقائق مروعة خصوصًا ما يخص الجانب الأمنى وما بات يعيش الناس فيه من خوف وترويع، وما يخص الجانب الصحى من انتشار أمراض حتى صارت كالأوبئة، على رأسها السرطان والوباء الكبدى، وعن عجز تام عن توفير خدمات صحية وعلاجية، وقد طال القطاع الدوائى ما طال باقى القطاعات من غلاء فاحش، ولا حل ولا إجابة من جانب الانقلابيين…
باختصار: المستبد غير معنى بالإنسان، ألم تر أنه انتهك حريته وسلب كرامته من قبل، فكيف يعتنى بمشكلاته وخدماته؟! إن تقديم الخدمات للمواطن –من وجهة نظر المستبد- يعد ترفًا ورفاهية؛ والأولى –فى نظرهم- قتله وتعذيبه، ومن التعذيب حرمانه من الخدمات، وإظهاره بمظهر المستغيث الملهوف، وهذا يسهل لهم طرق السيطرة عليه، وسلاسة قيادته وتوجيهه..
والمستبد ليس لديه الوقت ولا الجهد ولا المال لتحسين خدمات المواطنين؛ فجلّ ما ينفق من وقت وجهد ومال يكون لملاحقة الخصوم، ورعاية أمنه السياسى، والصرف على الدعاية الكاذبة لنظامه، والبحث طوال الوقت عن خطط لضمان الخلود على كرسيه الذى أخذه عنوة وغصبًا…
فإذا أضفنا إلى ذلك بند (التبعية) كان الفشل لصيقًا بالمستبد لصوق روحه بجسده؛ فإن التابع رهن المتبوع؛ فماذا لو كان المتبوع هو أمريكا والصهاينة الذين لا يفتئون يخططون لإضعافنا وإنهاكنا وقتل روح المقاومة فى نفوسنا؟ فهذا يعنى ببساطة: حتمية الفشل والانهزام النفسى، ثم توقع ما بعدهما على مستوى الفرد والدولة، وهو ما نرى مقدماته وبشائره الآن فى ربوع المحروسة التى صدق من نعاها من قبل فقال: لك الله يا مصر!!
أضف تعليقك