• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: شريف أيمن

منذ أقل من عقدين كان دعم القضية الفلسطينية يمثل البوصلة الأخلاقية للسياسيين في المنطقة العربية، لا سيّما في مصر؛ لمشاركتها الجغرافية والسياسية والوجدانية للأرض المحتلة. والحالة المصرية أثناء اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية 28 أيلول/ سبتمبر 2000 خير شاهد على الرابط بين الشعبين، فاشتعلت التظاهرات في المنطقة كلها، وفي مصر بطبيعة الحال. وشملت الغضبة كل الأطياف من السياسيين والطلبة والمفكرين، وأيضا الممثلين والمطربين، فوجدنا الأعمال الفنية الداعمة لفلسطين ولقضية التحرر بنُبْلها، والمهاجمة للاحتلال ووضاعته ووحشيته.

اليوم تحديدا نشهد أول احتفال رسمي منذ سنوات لدولة الكيان في مكان عام (الثامنة مساء بفندق ريتز كارلتون) في قلب القاهرة، بالقرب من مقر الجامعة العربية، وبالقرب من ميدان التحرير الذي هتف بإسقاط مبارك لأسباب عديدة، منها موقفه من الاحتلال، وبالقرب من ميدان الشهيد عبد المنعم رياض الذي استشهد على جبهة القتال مع المحتلين الذين يحتفلون اليوم بذكرى احتلال جزء من أرضنا. وتقارب زمن الانتفاضة مع الاحتفالية يُبدي مدى التسارع في انهيار القيم المصرية على يد أنظمته العسكرية "حامية الوطنية".

وفقا لما هو منشور على بعض المواقع الإسرائيلية، فالدعوة تم توجيهها لـ"وزراء وأعضاء في البرلمان ورجال أعمال وصحافيين ومفكرين"، وشملت هذه الدعوة المئات. إذ، هناك "المئات" من المصريين تم توجيه الدعوة إليهم، وسيلبي بعضهم أو كلهم الدعوة، لنجد أن هناك شخصيات عامة ورسمية تذهب لاحتفالية مخجلة، وذكرى مؤلمة، فضلا عن أنها لدولة يتم وصم المعارضين للسلطة المصرية بدعمها أو بتلقي التمويل منها، ولا أعلم أي كرامة أو شرف يتبقيان لمن ارتدى الزي العسكري ثم أبدى الآن موافقته على إقامة تلك الاحتفالية خارج أسوار سفارة السوء تلك!

أتساءل، لو كان هناك تغير في تلك الدعوة، وتم توجيه دعوة مشابهة من سفارة تركيا أو قطر في مصر لشخصيات عامة، فكيف سيتعامل النظام المصري مع الدعوة؟ والأهم كيف سيتعامل مع المدعوين؟

أتصور أن بوابة الخروج ستقف عليها سيارة شرطة تنقلهم إلى السجون مباشرة، بتهمة التخابر مع دولة "شقيقة".

لكن هذا التساؤل يصاحبه وجود فارق مهم بين المناسبات الرسمية لإحدى الدولتين، وبين مناسبة رسمية لنشأة دولة قمنا بأنفسنا بمحاربة نشأتها! ودخلنا معها في حروب 1948 و1956 و1967 و1969 و1973، بخلاف حروبها في لبنان وسوريا وفلسطين، وعدوانها على العراق في الثمانينيات، وعشرات شبكات التجسس التي تم ضبطها لصالحها، فكيف حاربنا محاولة النشأة ونسمح، بل ويشارك بعض المصريين في احتفاليتها اليوم؟ وما الذي تغير عن الأعوام من 1948 إلى 1973؟ هل كنا على خطأ حينها وكانوا يستحقون أن نُنشئ لهم وطنا؟ أم أن القيادات الحالية هي التي تحتاج أن تصحح بوصلتها؟

كان دعم المقاومة هو البوصلة الأخلاقية في المنطقة، لكن البوصلة تغيّرت الآن من دعم المقاومة إلى استهداف المقاومة، ومن مهادنة عدو إلى استعداء حليف، ومن تعمير للحدود في سيناء إلى تفريغ الحدود للعدو، وبغياب البوصلة القديمة انهارت المناعة والقيم التي نشأنا عليها لدى الأجيال اللاحقة.

هذا الانهيار جعل النظام لا يستشعر الحرج وهو يقبل إقامة تلك الاحتفالية، بينما يستشهد العشرات في فلسطين وهم يحيون ذكرى "النكبة والاحتلال" لا ذكرى الاستقلال، وجعله لا يستشعر الحرج وهو يرى استهداف المحتل لأطراف المتظاهرين لتفتيت عظام من يجرؤ على الحلم بالعودة لأرضه المسلوبة، وجعله لا يستشعر الحرج بتزامن الاحتفال مع كارثة جديدة متعلقة بالقضية، تتمثل في نقل السفارة الأمريكية للقدس، بالمخالفة للموقف الدولي الثابت منذ إعلانها عاصمة لدولة الاحتلال مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ولم يجد النظام أي غضاضة في ذلك التسامح مع دولة حاربها، في مقابل عدم تسامحه أمام "ميكروفون" قناة تابعة لدولة شقيقة.

اليوم تحتفل دولة الاحتلال أول احتفال لها منذ سنوات الثورة، وهي تطل عامدة على ميدان التحرير الذي ألغى وجود مقر لسفارتها، واليوم تختار دولة الاحتلال نفس المكان الذي كان سببا في إخراجها، لترد الضربة لنا في ظل الانقلاب على الثورة، وهي متمسكة بدعمها لذلك النظام الذي هاجم الثورة ودافع عنهم، ونحن متمسكون بموقفنا الرافض لوجود كيان عنصري استئصالي وحشي في المنطقة، وأيضا متمسكون بموقفنا ضد كل مُطَبِّع سواء كان شخصية رسمية أو غير رسمية.

أضف تعليقك