بقلم: وائل قنديل
وبما أننا دخلنا مرحلةً متقدمةً من العدمية السياسية، صار معها النظام في مصر يشعر بالضجر من كثرة المهرولين (لن أقول المتسوّلين) بمبادرات تصالح ومماحكات تصفية، فإن محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من التاريخ الحديث جداً، تبقى عملاً مشروعاً ومطلوباً في هذه اللحظة البائسة.
في ذلك، راجت، طوال الأيام والأسابيع الماضية، حكايات وحواديت عن موافقة الرئيس المختطف، محمد مرسي، على مطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة، كي ينجو من براثن الانقلاب، وذلك رداً على ما أعلنه الجنرال عبد الفتاح السيسي أخيرا، ومكرّراً، من أنه لو وافق الرئيس مرسي على الانتخابات المبكرة في لحظة الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 لما كان عزله من منصبه، والاستيلاء على الحكم بالقوة المسلحة.
وليست المسألة، فقط، مجرّد نزوع تلقائي على نفي وتكذيب أي روايةٍ تصدر عن قائد الانقلاب العسكري، بما يعني، على نحو مباشر، الرد بروايةٍ مضادة ومختلفة، بصرف النظر عن الحقيقة الموضوعية، وما جرى فعلاً على أرض الواقع.. وإنما تتجاوز المسألة ذلك إلى محاولة هندسة الوقائع التاريخية، وتحويرها وتدويرها، بما يخدم أهدافاً وقتية، ويحقق مصالح تكتيكية عابرة، منها، مع الأسف، محاولة إيجاد وسيلة لخروج سهل ومريح من قضايا أساسية وجوهرية، حاكمة للصراع السياسي في مصر، وفي مقدمتها شرعية الرئيس الأسير، وكذلك محاولة إسباغ جدارة أخلاقية وسياسية، غير مستحقّة، على لحظة الثلاثين من يونيو، بوصفها ثورةً مضادة تحمل في جوفها جنين انقلاب مكتمل التكوين.
رواية أن الرئيس مرسي أذعن لمطلب الانتخابات المبكرة وردت، غير مرة، على لسان إبراهيم منير، نائب مرشد الإخوان المسلمين، العائش منذ عقود في بريطانيا، وردّدتها من بعده أصوات من داخل "الإخوان"، للتدليل على أن وزير الدفاع انقلب على رئيسه المنتخب، مع سبق الإصرار والترصد، وعلى الرغم من إقدام الأخير على الرضوخ لمطلب الانتخابات المبكرّة.
ومن أسفٍ أن هذه الرواية تنسفها وقائع عديدة، بعضها معروفٌ ومعلن، وبعضها لا يزال طي الكتمان، وفي صدارة ما هو منشور ومعلن، ما نشرته صحيفة الأهرام الرسمية، صبيحة 30 يونيو/ حزيران 2013. على لسان الرئيس مرسي شخصياً، وفيه رفض قاطع لفكرة الانتخابات الرئاسية المبكرة، ونقرأ:
"أكدت صحيفة الجارديان البريطانية تمسك الرئيس مرسي بتحديه لمطالب المعارضة بانتخابات مبكرة، مؤكدا أن لن يقبل أي انحرافٍ عن الشرعية الدستورية، معللا ذلك بأن استقالته المبكرة من منصبه ستقلل من شرعية من سيخلفونه، مما سيخلق حالة من الفوضي اللانهائية.
وأوضح قائلا: إنه إذا غيرنا رئيسا منتخبا وفقا للشرعية الدستورية، فإن هذا سيسمح لمعارضي الرئيس الجديد بالمطالبة بتنحيته هو الآخر في غضون أسبوع أو شهر من توليه الرئاسة. وشدد في الحوار الذي أجراه معه الصحفيان، ديفيد هيرست وباتريك كينجسلي، على أنه لا مجال هناك للحديث عن معارضة الشرعية الدستورية، فيمكن أن تكون هناك مظاهرات أو تعبير للمواطنين عن آرائهم، لكن الالتزام بالدستور نقطة حاسمة. وشدد الرئيس مرسي، في الحديث الذي نشرته الصحيفة البريطانية أمس علي موقعها الإلكتروني، علي ثقته الكاملة في أن الجيش لن يتدخل أبدا للسيطرة علي السلطة في البلاد".
قبل ذلك بثلاثة أسابيع (السابع من يونيو/ حزيران 2013) كان الرئيس مرسي يتحدث، في أول حوار صحافي مع رئيس تحرير الأهرام، عن موضوع الانتخابات الرئاسية المبكّرة، واصفاً إياها بالعبث، على النحو التالي:
الأهرام: هل يخشي الرئيس محمد مرسي من انتخابات رئاسية مبكرة؟ وماذا ترون في مثل هذا المطلب، ومدى مشروعيته؟
الرئيس: نحن دولة فيها دستور وقانون، وأجرينا انتخابات حرة ونزيهة، والحديث عن انتخابات رئاسية مبكرة أمر عبثي وغير مشروع. نحن نتحدث عن وطن كبير. نريد أن ينصرف الناس إلي الحركة العامة في المجتمع، لكي تجري الانتخابات البرلمانية، أما الانتخابات الرئاسية المبكرة فأنا آخذها في إطار حرية الرأي، ولكنها لا تمثل علي الإطلاق أي نوع من أنواع الحقيقة التي يمكن التحدث عنها بشكل شرعي أو قانوني، فهذا مخالف للقانون والدستور والعرف والإرادة الشعبية.
.. والحديث موصول.
أضف تعليقك