• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

ليس تقليلاً من حجم موهبة اللاعب محمد صلاح وروعة إنجازه، ولا تسفيهاً من رياضة كرة القدم، بوصفها أرحب الميادين التي يمارس فيها الناس اختياراتهم الحرة.. لكن فوز المصور الصحافي محمود أبو زيد (شوكان) بجائزة اليونسكو الدولية لحرية الصحافة إنجاز أعظم قيمةً من حصول صلاح على جائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي.

كلاهما خبر مبهج، لكن فوز شوكان هو رد اعتبار للقيم الإنسانية وانتصار للإرادة الشعبية في مواجهة سلطةٍ باطشةٍ مارست جميع أشكال الضغط والابتزاز، لكي لا يفوز بجائزةٍ مقدمةٍ من الضمير الإنساني، وخاضعةٍ لاعتبارات المعنى الأخلاقي الأبعد عمقاً، أكثر من كونها مكافأة على مهارة الأداء.

فاز شوكان استجابةً لجهود ومشاعر الباحثين عن الحق والخير والجمال في هذا العالم الموحش، بينما هو قابع في زنزانة مظلمة، يواجه أبشع صنوف التعذيب والقهر، من سلطةٍ تبدع في فنون سحق الكرامة الإنسانية وامتهان الوجود الإنساني، ولا تتورّع عن الضغط على المنظمة الدولية، كي لا تمنح جائزتها لصحافيٍّ، كل جريمته أنه كان شاهداً بالكاميرا على مجزرة القرن التي ارتكبها النظام المصري في ميدان رابعة العدوية ضد الرافضين لانقلابه الدموي.

في الحالتين، إنجاز محمد (مو) صلاح، وانتصار محمود (ما) شوكان، كانت سلطة عبد الفتاح السيسي حاضرةً في المشهد، إذ كانت في حالة الأول حاشدةً كل إمكاناتها للقرصنة على الإنجاز الفردي للاعب كرة موهوب، ما كان له أن يسطع ويتوهج، لولا أنه أفلت من منظومة اجتماعية ورياضية فاسدة، وقاتلة للموهبة والإبداع في الداخل، وانتقل إلى براح البيئة المساعدة على التطور والتألق والنبوغ في الخارج.

نثر محمد صلاح بذور إبداعه وتألقه، وحده، فحصد مجده الذاتي، لكن السلطة أرادت أن تقاسمه الحصاد، قرصنةً وإرهاباً، وأدخلت على بهجة الجماهير كثيراً من عكارة الاستبداد وطغيانه على منجز، هو إبداع ذاتي خالص لصاحبه، وأسقطت عليه كل أمراضها وعقدها السياسية، لتزاحم الجماهير في فرحها المستحق بواحدٍ منهم، يشبههم وينتمي إليهم، ويلخص أحلامهم البسيطة في الانعتاق من بيئة قاتلة للإبداع.

هذا الانقضاض السلطوي على منجز اللاعب هو ما أحدث خدشاً في تلك الفرحة الشعبية الخالصة بسفير الجماهير إلى العالم، لا مبعوث السلطة إلى المنافسة الدولية، الأمر الذي أوجد نوعاً من اللاحماس واللامبالاة عند قطاع محدود من كارهي السلطة، فاندفعوا، بحمقٍ، يهيلون التراب على ما حققه اللاعب، ويذهبون أبعد من ذلك إلى ممارسة ابتزاز ممجوج لبهجة الجماهير، وتحقير رياضة كرة القدم ذاتها، والتي قد تكون الديمقراطية الوحيدة التي تمارسها الجماهير في الدول المنكوبة بالطغيان.

أما في حالة الصحافي شوكان، فمبعث الفرحة أن جائزته بمثابة انتصارٍ منتزعٍ من بين براثن سلطةٍ مسعورة، لم تكتف بحبسه ظلماً وتعذيبه، بل راحت تحارب على كل الجبهات كي تمنع عنه الفوز المستحق، ثم أصابتها لوثةٌ بعد إعلان فوزه، فقرّرت أن تحول بين الجماهير وخبر الجائزة، فلم تسمح بنشر خبرٍ واحدٍ عن إنجازه، الذي هو انتصار للإنسانية ولقيم الحرية والعدل والكرامة الإنسانية، وفي الوقت ذاته، هزيمة لمنظومة الظلم والقهر والقمع والتغول على حق البشر في المعرفة وفي الحياة.

غير أنه في المحصلة، تبقى جائزة اللاعب محمد صلاح، وانتصار الصحافي الأسير محمود شوكان، بهجةً مستحقةً للجماهير، لا تعارض بينهما، ولا غضاضة على الإطلاق في أن تفرح للاثنين، معاً، حتى وإن حقق اللاعب إنجازه، وهو يتمتع بكامل حريته، بينما الصحافي محرومٌ من الحرية ومن التنفس ومن الحياة.

أضف تعليقك