منذ الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي عام 2013، أجمع خبراء تربيون على انهيار المنظومة التعليمية في مصر، وأنها لم تعد صالحة لتخريج أجيال قادرة على النهوض بالمجتمع، حيث التلقين والحفظ سمة عامة، خاصة في المراحل الأولى من العملية التعليمية.
وأرجع الخبراء أن انهيار التعليم في مصر له أسباب عدة من أهمها، الحالة الاقتصادية، وضعف الميزانية المخصصة للتعليم، واتباع النظم الأسوأ في التدريس، والاعتماد على الحفظ والتلقين وغيرها من الأسباب.
وقد تجلى جهل المنقلب عبد الفتاح السيسي بأهمية التعليم حين قال في تصريحاته حول قضية التعليم في مصر، : «في دول من اللي ضاعت حولنا ماكنش فيها أمّية، وكان فيها مستوى تعليم عالي، لكن ده ماحفظش وطنهم من الضياع و لم يسلمِّ تلك الدول المتعلمة التي ضاعت رغم تعلّم أبنائها، وتابع: «يعمل إيه التعليم في وطن ضايع؟».
ويستمر ذلك الانهيار في الوقت الذي تتواصل فيه مزاعم العسكر، عن التطوير والإنفاق من أجل تعليم أفضل، وهو ما أثبتت الأيام كذبه .
انهيار مستمر
انهارت أطراف العملية التعليمية بشكل كلي في مصر، فالمناهج يعتريها كثير من العوار و"الأهواء" ،وسخرت طبقا لمقتضيات السياسة لا مقتضيات البحث العلمي الدقيق والصالح العام ،وذلك طبقا للقرب والبعد مع أهداف السلطة الحاكمة.
والمدرسة صارت أداة للربح بعد استغراق القطاع الخاص لهذا المجال وحرصه علي ما يحرص عليه التاجر غير الأمين في بيع البضاعة الفاسدة مع الحفاظ على طيب المنظر العام.
وصار الطالب هو أيضا غير راغب في التعليم بقدر رغبته في الحصول علي الشهادة التعليمية.
فساد العلاقة بين أطراف التعليم حولته من منتج له مردود أخلاقي واجتماعي بناء، إلى سلعة تباع وتشتري تصلح معها الفلسفة السوقية المصرية التي تلخصها لفظة "الفهلوة" ، ما فاقم من ظاهرة الغش وأوجد خريجي جامعات لم ينالوا حتى الحد الأدنى من مقومات التعليم لدرجة الجهل بالقراءة والكتابة لاسيما من خريجي الكليات الأدبية.
كما يمتاز التعليم في المدارس الحكومية وهى قليلة عددا مقارنة بالمدارس الخاصة بفوضوية خاصة وكل ما ليس له علاقة "بالتربية" والتعليم.
عسكرة التعليم
بعد مرور ٣ أشهر فقط على وقوع الانقلاب العسكري في ٣ يوليو عام ٢٠١٣م، أعلن اللواء أسامة عسكر، قائد الجيش الثالث الميداني وقتها، مطلع نوفمبر ٢٠١٣م، عن تصديق المنقلب عبد الفتاح السيسي، حينما كان وزيرًا للدفاع على إقامة مدرسة دولية بمدينة السلام فوق مساحة 30 فدانًا بتكلفة وصلت إلى ٩٠ مليون جنيه، وبالفعل تم افتتاح مدرسة بدر الخاصة العسكرية للغات في مارس من عام ٢٠١٥م.
وتزامن افتتاح مدرسة بدر الدولية وبدء التدريس فيها نظير رسوم التحاق تُحصل من كل تلميذ تصل إلى ٣٢ ألف جنيه، مع حصول مصر على المركز قبل الأخير في جودة التعليم من بين ١٤٠ دولة، وظهور فضيحة تسريب أسئلة امتحانات الثانوية العامة وإجاباتها وقتها.
بعدها توالى افتتاح المدارس العسكرية في مصر، ليبدأ نظام السيسي في عسكرة التعليم بشكل رسمي، حتى إنه استبدل النشيد الوطني "بلادي بلادي" بأغنية لقوات الصاعقة بعنوان: "قالوا إيه علينا".
وكشفت منى يحيى، مدير عام التنمية الرياضية والعسكرية بوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بحكومة الانقلاب، في تصريحات لبرنامج «صباح البلد»، الذي يُعرض على فضائية «صدى البلد» الداعمة للانقلاب، صباح الأربعاء، عن أن «وزارة التربية والتعليم تسعى لزيادة عدد المدارس العسكرية والرياضية في مصر»، مشيرة إلى أنه لا بد من تخصيص أراض من قبل المحافظات؛ لأن هذه المدارس تحتاج مساحات كبيرة.
وأضافت أنه تمت زيادة عدد المدارس العسكرية خلال العام الماضي من 100 إلى 116 مدرسة، وسيتم خلال العام الجاري اعتماد 50 مدرسة أخرى؛ لتصل نسبة الزيادة بذلك إلى 66%.
ويأتي دخول جنرالات العسكر مجال الاستثمارات في التعليم في وقت تشهد فيه رسوم التعليم الأجنبي في مصر ارتفاعاً في غالبية مؤسساته التعليمية، نتيجة ارتفاع الدولار أمام الجنيه، بالإضافة إلى زيادة المصروفات بنسبة تصل إلى 50% سنوياً العام الجاري خاصة فى المدارس والجامعات الأمريكية والبريطانية. وهكذا تحولت العملية التعليمية إلى تجارة مربحة، تحقق أرباحاً طائلة تكاد تصل إلى مليارات الدولارات، حيث يتم إلزام أولياء الأمور بدفع الرسوم الدراسية بالدولار الأمريكي أو العملات الأجنبية بدلاً من الجنيه المصري.
ويصل تعداد المدارس الدولية بمصر نحو 13 ألف مدرسة في المتوسط، تمتلك أغلبها أسر قيادات وضباط بالجيش والشرطة وعدد من كبار رجال الأعمال المتحالفين معهم، وفي تلك المدارس ما يقرب من 500 ألف طالب وطالبة بمختلف المراحل التعليمية، وقد شهدت هذه المدارس ارتفاعاً ملحوظاً في مصروفاتها تراوح ما بين 36 ألفا و162 ألف جنيه.
خروج من التصنيف
في مايو 2017، أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، خلال المسح الذي تجريه كل 3 سنوات، عن جودة التعليم العالمي، خروج مصر من قائمة التصنيف عالميًا في جودة التعليم.
وأفادت المنظمة، في تقرير لها، على موقعها على الانترنت، بأن نتيجة المسح أسفرت عن خروج مصر من القائمة نهائيًا، بعدما كانت في المركز قبل الأخير عالميًا، في آخر تصنيف.
وتابعت أن سنغافورة حصلت علي المركز الأول يأتي من بعدها اليابان، وإستونيا، وفنلندا، وكندا، وأما على المستوي العربي جاءت الإمارات الأولى عربيًا، وقطر، ولبنان والأردن والجزائر وتونس فيما خرجت مصر من التصنيف نهائيًا، وجاءت الاختبارات علي الطلاب في مجالات العلوم، وشمل الاختبار المعروف باسم (القراءة والرياضيات).
وكانت مصر قبل خروجها من التصنيف قد احتلت المركز قبل الأخير على مستوى العالم، حيث شغلت مصر المركز رقم 139 من 140 دولة وذلك في شهر يناير من عام 2016.
ويوضع الترتيب العالمي للتعليم على مستوى العالم على أساس أهتمام الدولة بكل عناصر العملية التعليمية من معلمين ومدارس وطلاب، وحجم الانفاق على التعليم بالنسبة للناتج القومي.
خطة محكمة
منذ الانقلاب العسكري لا توجد أسرار خفية وراء تدهور التعليم المصري، فالعسكر يتبعون خطة محكمة لجعل التعليم في انهيار تام دائم، فالتعليم الذي يبني الإنسان، ومن خلاله تنهض المجتمعات، لا يراد لمصر أن تعرفه، وربما هي مصادفة ألا يأتي أبداً وزير تعليم من قلب العمل التعليمي والتربوي.
وربما أيضاً مصادفة، أن كل وزير يبدّل ويغير في محتوى التعليم ومراحله، كما لو كان يغير ديكور مكتبه، وربما هي مصادفة ثالثة، أن لا وزير واحدا منذ عقود سعى إلى تحديث (وتطوير) التعليم الفني الذي يفتقده بحق سوق العمل.
وهي بالطبع مصادفة أخرى، ألا يبحث أحد عن توجيه التنسيق الجامعي نحو التخصصات النادرة والمطلوبة للتنمية الشاملة، أو التحديث الصناعي أو الاستصلاح والزراعة والمجالات التقنية وريادة الأعمال وإدارة المشروعات الصغيرة وتنمية الأفكار وقيادة المجتمعات المحلية والعمل التنفيذي، وأخيراً، يتصادف أن تشهد مصر، على مدى عقدين، سهولة وسلاسة في إنشاء جامعات خاصة، تتشابه اهتماماتها وتتوازى في تكرار التعليم الحكومي النظري والمكتبي، من دون ضبط من الدولة أو تدخل للتوجيه نحو التخصصات المطلوبة.
لا مجال هنا للتحجّج بذريعة المؤامرة الخارجية، فما يفعله المصريون في أنفسهم يعفي أي متآمر خارجي من جهد التخريب والتدمير، وبعد عقود من استنساخ السياسات نفسها، وإصدار القرارات نفسها، ثم إلغائها، صار عسكر مصر يجيدون وبامتياز، التخريب المستدام، للتعليم.. ولغيره.
أضف تعليقك