من يتذكّر مجدي أحمد حسين، الصحافي ورئيس التحرير السابق لصحيفة الشعب المصرية؟ من يتذكّر مئات الصحافيين المحبوسين احتياطياً منذ سنوات؟.
يعتمد نظام عبد الفتاح السيسي تكتيكاتٍ في حبس الصحافيين والنشطاء السياسيين، نجحت بامتياز في إنهاك الذاكرة الحقوقية، بحيث تستدرج كل يوم إلى الغرق في قصص اعتقال وإخفاء قسري، وحبس، جديدة، بما يطفئ جذوة الغضب على السابقين، أو في أقلّ التقديرات، يستنزف الطاقة في اللاحقين الذين سرعان ما يتحولوا إلى سابقين، بإضافة أسماء جديدة، يتم حبسها 15 يوماً، تتولى وتتوالد وتتكاثر، حتى تصير سنوات.
وفق هذه الآلية الشيطانية، يسكت الكلام عن عشرات آلاف من المحبوسين ظلماً منذ انقلاب 2013، فتتوارى الأخبار عن الرئيس الأسير وعديد من الأسماء الأخرى، محمد البلتاجي وعصام سلطان وعلاء عبد الفتاح وهشام جعفر وإسماعيل الإسكندراني وحسام أبو البخاري، ليشتعل الكلام والاحتجاج على دفعات جديدة، سرعان ما تصبح قديمةً ويلفها النسيان، وهكذا دائرة جهنمية من الاعتقالات، عابرة للأيديولوجيا، بحيث لم تعد قصراً على الأخونة فقط.
الآن، نحن بصدد تطبيق متوحش لما أسميته "قانون زبيدة"، أو ذلك القرار الذي ألزم رؤساء ووكلاء النيابة العامة بمراقبة المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، لاصطياد المعارضين، أو الناقدين لسياسات النظام الذين اعتبرهم القرار"أهل الشر"، فتطور منطوق الاتهام من الانتماء والاتصال بجماعةٍ إرهابية، ليتضمن نشر أخبار كاذبة تؤثر على الأمن القومي، كما في حالات الزميل عادل صبري، رئيس تحرير"مصر العربية" والمدون محمد أوكسجين والناشط شريف الروبي، وقبلهم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والمستشار هشام جنينة والصحافي معتز ودنان.
ويدهشك أن الدفاع عن حرية هؤلاء، المستحقة، بات أسيراً لتلك القاعدة الساذجة "ليسوا من الإخوان"، والتي كانت وتبقى آفة هذا الوضع الكارثي، القائم على القبول بالمعادلة التي وضعها النظام، من خلال اعتماد أساليب ثبت فشلها، للدفاع عن المعتقلين، تنطلق من أن هذا الصحافي، أو السياسي، ليس من الإخوان، ومن ثم لا يجوز اعتقاله وحبسه.
تلك كانت الهدية التي قدمها بعضٌ من المحسوبين على معسكر الحقوق والحريات للنظام، حين أقرّوا، على نحو غير مباشر، بالقبول بالاعتقال الظالم لكل من هو إخواني، وهو ما استثمرته السلطة جيداً في التكييف القانوني لقرارات الاعتقال، إذ صار سهلاً أن يُصاغ قرار الحبس بعبارة الانتماء أو الاتصال بجماعة إرهابية، حتى وإن كان من ألد خصوم الإخوان، يسارياً كان أم ليبرالياً.
الشاهد أن النظام بات يعرف كيف يتوقع ويدير موجات الاحتجاج الخجول على مسلسل الإخفاء القسري والاعتقالات، فصار مطمئناً لحجم ردود الأفعال التي لم تتخلص بعد من صبغاتها الفئوية والأيديولوجية. وكما قلت سابقاً، طوّر نظام السيسي مهاراته في اللعب بالملفات، صار يجيد التحكّم في سقوف الكلام واتجاهاته، مثل لاعب "دومينو" محترف، يحفظ سيكولوجية معارضيه، باختلاف درجات معارضتهم، ويعرف كيف يحرّكهم، ويضبط إيقاعات غضبهم، تماماً كما يفهم سيكولوجيا الجماهير، ويتفنن في اللعب بها، وعليها، بعروض الوطنية المبهرة، كما في ملاعب الكرة، وأضواء حفلات الإنجازات الوهمية.
وأكرّر ما قلته في مناسبات سابقة: ليس جديراً بالحرية والكرامة والعدل من يطلبها لنفسه، والمقرّبين منه، فقط.. واقرأوا التاريخ القريب جيداً، فالحرية للجميع، أو: لا حرية على الإطلاق، تلك هي المسألة.
أضف تعليقك