بقلم..قطب العربي
في التاسع والعشرين من نوفمبر 2017 وخلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف كلّف عبد الفتاح السيسي وبشكل علني أمام الكاميرات الفريق محمد فريد حجازي رئيس أركان حرب القوات المسلحة الجديد بالقضاء على الإرهاب في سيناء خلال 3 أشهر، وباستخدام كل القوة الغاشمة في سبيل تحقيق هذا الهدف، وفِي التاسع من فبراير شباط الماضي أي بعد مرور أكثر من شهرين على هذا التكليف شنّ الجيش المصري العملية الشاملة سيناء 2018 لتنفيذ تكليف السيسي الذي كان يتبقى له أقل من 3 أسابيع، وقد مرت تلك الأسابيع ومن خلفها أسابيع أخرى متجاوزة المهلة التي حددها السيسي لرئيس أركانه بما يزيد عن شهر ونصف الشهر.
ويوم السبت، أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة تامر الرفاعي عن مقتل 8 جنود وإصابة 15 آخرين في هجوم نفذه مسلحو تنظيم "داعش" على معسكر القسيمة وسط سيناء، بينما رفعت مصادر محلية الرقم إلى 40 عسكريا، بينهم عدد من الضباط ومن بينهم قائد المعسكر نفسه.
في اليوم ذاته أصدرت القوات المسلحة البيان رقم 19 عن سير العملية العسكرية سيناء 2018 ذكرت فيه أنها قتلت 27 مسلحا من عناصر "داعش"، وأوقفت 114، كما كشفت معسكرا تدريبيا للتنظيم وكمية من الأسلحة والذخيرة وبعض الملاجئ، ومثل هذه البيانات اعتادت قيادة العملية الشاملة إعلانها بين الحين والآخر، مقدمة صورا لبعض الجثث ملقاة على الأرض بينما ذكر مواطنون سيناويون أن بعض الجثث التي تم التعرف عليها هي لموقوفين لدى الشرطة منذ فترة طويلة، وإذ لا يمكن تأكيد هذه الرواية فإن من غير الممكن أيضا تأكيد روايات الجيش الذي يفرض حالة من التعتيم الإعلامي التام على ما يجري في سيناء، ولا يسمح لوسائل الإعلام بنقل روايات مخالفة للرواية الرسمية، وقد سن قبل عامين تقريبا قانون يعاقب من ينشر روايات تخالف الرواية الرسمية بغرامة مالية قيمتها نصف مليون جنيه مصري، ما يعني بطريقة غير مباشرة إغلاق الوسيلة الإعلامية التي سترتكب هذا العمل لأنها ببساطة لن تكون قادرة على دفع هذه الغرامة!!
هذه العملية الأخيرة لتنظيم "داعش" في سيناء والتي أوقعت ذلك العدد من الضحايا العسكريين -وهي عملية مدانة شكلا وموضوعًا- تثبت وبدون لف أو دوران فشل رئيس الأركان وقواته ومعه وزارة الداخلية في تنفيذ المهمة التي كلّف بها، وتثبت أن الإرهاب لا يزال نشطا في سيناء رغم استخدام كل القوة الغاشمة التي وضعها السيسي تحت إمرة الحملة العسكرية، ولن نتفاجأ حين يطلق التنظيم إصدارا مرئيا عما سيصفه بغزوة القسيمة، وقد يضمنه جثثا كثيرة لضباط أو مجندين، ردا على بيان القوات المسلحة، وقد برع التنظيم في مثل هذه الإصدارات التي يستهدف منها إثبات وجوده من ناحية والفتّ في عضد قوات الجيش وضرب الروح المعنوية له، وقد أطلق التنظيم إصدارا مرئيا يوم 24 مارس/ آذار المنصرم وبالتزامن مع زيارة تفقدية للسيسي إلى قواته في سيناء، بعنوان (المجابهة الفاشلة) ويقصد بها حملة الجيش المصري ضده، وادعى التنظيم أن تلك الحملة لم تؤثر عليه، ولم تسقط أحدا من مقاتليه، وهذا الإدعاء لا يمكن تصديقه، ولكن الإصدار نشر صور لعمليات إغارة لمسلحيه على كمائن عسكرية، وكانت رسالته بشكل عام أن الحملة ضده لم تقض عليه.
استخدام القوة الغاشمة في سيناء كما أمر السيسي لا يفرق بين مدنيين ومسلحين، بل إن غالبية الضحايا هم من المدنيين المسالمين من أبناء سيناء الذين ضاقت عليهم أرضهم بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وأجبروا على ترك أرضهم وديارهم بغير حق لإفساح سيناء أمام تنفيذ صفقة القرن التي تواجه عثرات كبيرة لكن السيسي يرى فيها أكسير حياة جديد لبقائه في السلطة لفترة أطول.
هذا القمع والقتل والتنكيل والتهجير بحق أهل سيناء لن يقضي أبدا على الإرهاب، بل الأصح أنه يصنع بيئة وتربة خصبة له، ويوفر له حاضنة شعبية من غضب المكلومين والثكالى والمظلومين، وليعلم الجميع الآن أن السيسي فشل فشلا ذريعا في حربه ضد الإرهاب، وهي الحرب التي يستند إليها لتبرير ما يفرضه على المصريين من معاناة، وما يلهي به المؤسسة العسكرية حتى يحتفظ بولائها له.
بنى السيسي دعايته الكاذبة على أنه نجح في تجنيب مصر مصير سوريا والعراق، ويلوح بهذا التهديد بين الحين والآخر عبر خطاباته وأذرعه الإعلامية، ولكنه في الحقيقة يأخذ مصر بسياساته القمعية إلى المصير ذاته الذي وصلت له الدولتان بسبب قمع حكامهما وانتهاك حرية وإرادة الشعب فيهما. فالكبت يولد الانفجار كما يقولون، وهذا ما لا نتمناه لمصر التي نريد لها حرية وكرامة ومسارا ديمقراطيا حقيقيا يستكمل ما بدأته ثورة 25 يناير التي أوصلت أول رئيس مدني لمصر، إضافة إلى دستور حديث، ومجلسي برلمان
أضف تعليقك