لا أمل في طي ملف أزمة "مانشيت" جريدة "المصري اليوم"، فقد أرسلت نيابة أمن الدولة استدعاء لتسعة من الصحفيين بالجريدة، من بينهم رئيس التحرير المقال!
وهى أزمة ذكرتنا بـ "مانشيت" جريدة "الأخبار"، الذي كان يروي لنا على سبيل التندر بضيق أفق النظام العسكري، فقد صدرت الجريدة بعنوان بارز نصه: "مصرع السفاح"، وكان العنوان التالي: "جمال عبد الناصر في باكستان"، فبدت القراءة أن السفاح هو جمال عبد الناصر لقي مصرعه في باكستان، ولم يكن الأمر مستهدفا فقد رأى مخرج الصحيفة أن الفصل في حجم البنط واختلاف الألوان يكفي للتمييز بين الخبرين، ولم يكن صاحب "الأخبار" الكاتب الراحل "مصطفي أمين" على خلاف مع عبد الناصر، بل كان مرحبا بحركة ضباط الجيش نكاية في حزب "الوفد"، ومع ذلك قيل "يا داهية دقي"!
لقد كانت الصحف خاضعة للرقابة، ومع ذلك استخدم هذا "المانشيت" في التمهيد لعملية "تأميم الصحافة" والانتقال بملكيتها من أصحابها لتكون مملوكة للاتحاد القومي، وهو التنظيم السياسي الأوحد في هذه الفترة التي ألغيت فيها التعددية الحزبية، وتم بعث هذا التنظيم الوحيد الخاص بالسلطة ويدور في فلكها ويرأسه رئيس الدولة!
وإذا كان أهل الحكم قد اعتبروا "مانشيت الأخبار" رمية بغير رام، مكنتهم من الوصول لهدف تأميم الصحافة الذي سيطر على رأس عبد الناصر قبل "المانشيت" بسنوات إلى أن تحقق المراد في سنة 1960، فهل يعد "مانشيت" المصري اليوم بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير، لتمكين السيسي من هدفه الأسمى بانتقال ملكية الجريدة من ملاكها "صلاح دياب 80%" و"نجيب ساويرس 2%"، وقيل إن ساويرس الذي فُرض عليه بيع قناة "أون تي في"، قد باع حصته بالكامل لـ "صلاح دياب"؟!
السيسي الذي ربته والدته إلى عدم الطمع فيما في أيدي الناس، يطمع فيما في أيدي "صلاح دياب"، لاسيما أنها الجريدة الأولى في مصر الآن من حيث التوزيع، وفيها "نفس مختلف"، وهو يزعجه أي حراك ولو كان مجرد زفير وشهيق!
لقد بدأت معركة تكسير العظام، عندما استيقظنا ذات صباح على واقعة القبض على "دياب" ونجله من مسكنهما، وكانت العملية مشمولة بالإهانة، فقد وضعوا القيود الحديدية في يد الرجل وصوروه بها ونشروا صورته بهدف التجريس وبغية الإهانة، ومما قيل إن قوات من قطاعات أمنية مختلفة شاركت في ذلك، فلأن مسكنه على النيل فقد جاءت شرطة المسطحات بحرا، والطائرات جوا، وقوات مكافحة الشغب، والأمن الوطني، أرضا، وهي قوات تكفي للقبض على أبو بكر البغدادي!
الصورة استفزت دوائر خارجية يرتبط بها "دياب"، فاضطر السيسي لأن يفرج عنه، واستمرت القضية متداولة في المحاكم، حيث تم اتهامه ونجله بحيازة أسلحة دون ترخيص، ومؤخرا صدر حكم القضاء ببراءتهما مما هو منسوب إليهما، فكان الضغط بطريقة أخرى.
لقد صدرت "المصري اليوم" بـ "مانشيت" نصه: "الدولة تحشد الناخبين في آخر أيام الانتخابات"، ومورست ضغوط على الجريدة فتم استبداله بآخر نصه: "السيسي يكتسح موسى في المؤشرات الأولية"، وكان هذا التراجع يكفي لاسيما أن العنوان أصل المشكلة ليس مجرد فبركة صحفية، فعملية الحشد بالقوة وبتدخل السلطة تم رصده بالصوت والصورة ونشره إعلام الفرنجة، كما نشر عبر السيوشيال ميديا، لكن الأزمة بدأت ولم تنته!
لقد طلب مجلس الإعلام من نقابة الصحفيين إحالة رئيس التحرير للتحقيق، وفرض عقوبة مالية على الجريدة بالمخالفة للقانون، وكتبت "المصري اليوم" اعتذارا، وقام مجموعة من الصحفيين – بحسب ما نشر في الأهرام – بإعلان استقالاتهم من الجريدة التي أساءت للأمن القومي المصري بهذا "المانشيت اللعين"، وألقى صاحب "المصري اليوم" ما في جرابه فإذا هي حية تسعى، فعبد اللطيف المناوي رجل جمال مبارك والمجلس العسكري فيما بعد هو العضو المنتدب، و"عبد المنعم سعيد" أحد مسؤولي ملف التوريث والتطبيع هو رئيس مجلس ادارتها، فقررا عزل رئيس التحرير، محمد السيد صالح وتعيين "حمدي رزق" رئيسا للتحرير، لكن الأزمة لم تنته، فكان قرار نيابة أمن الدولة باستدعاء المتهمين التسعة للتحقيق، ومن الواضح أن طلب الاستدعاء لكل من له علاقة بالخبر من قريب أو من بعيد، ونحمد الله أن الاستدعاء لم يشمل القراء!
إن المطلوب هو التنازل عن ملكية "المصري اليوم" لمالك عموم الإعلام المصري: "عبد الفتاح السيسي"!
أضف تعليقك