قضاة حفروا أسماءهم بحروف من ذهب، لم يترددوا في الوقوف ضد الظلم والفساد، كان همهم صالح الشعب، نصروا المظلم وادانوا الظالم ورفضوا أن يكونوا أداة للحكام، او ارضاء الرؤساء والأنظمة. أصدروا أحكاما تاريخية سجلت في تاريخ القضاء المصري كعلامات بارزة لم تمحوها الأيام عن الذاكرة المصرية، ورغم رحيل أغلبهم عن القضاء، فإن الدروس التي قدموها لخدمة الوطن لا تزال صامدة في وجه كل من حاول تغيير مسار العدالة، كما لا زالت مقدمات أحكامهم التاريخية يتم تدريسها لطلاب الحقوق، فهم قضاة صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولم يبدلوا تبديلا.
حكيم منير صليب
هو أحد أبطال "انتفاضة الخبز" التي اندلعت عام 1977 احتجاجا على رفع أسعار 30 سلعة بينها السلع الأساسية. رفض دعم النظام والرئيس في ذلك الوقت محمد أنور السادات، واعلن القاضي صليب براءة 176 متهمًا بـ"قلب نظام الحكم"، مع ان النظام توقع أن تصدر المحكمة أحكاما ضد المتهمين لارضاء الرئيس. وقال المستشار حكيم منير صليب في حيثيات الحكم دفاعا عن المتهمين مؤكدا ان كل همهم وهدف المظاهرات والغضب الشعبي كان التظاهر ضد رفع الأسعار والمعاناة الاقتصادية التي كان يمر بها الشعب المصري وان اتهامهم بمحاولة قلب نظام الحكم هو اتهام كيدي ظالم لإجبار المصريين على كم الافواه وعدم الاعتراض على أخطاء النظام الحاكم. وهاجم "صليب" النظام قائلا: هناك معاناة اقتصادية كانت تأخذ بخناق الأمة المصرية في ذلك الحين لتشمل حتى الضروريات الأساسية للإنسان المصري، مثل طعامهم وشرابهم، أزمة وسائل النقل، النقص في الخدمات، وفوق ذلك استحكمت أزمة الإسكان وتطرق اليأس إلى قلوب الناس والشباب منهم خاصة..
وزاد قائلا: " كانت أقوال المسئولين والسياسيين من رجال الحكومة في ذلك الوقت تبشرالشعب المصري بإقبال الرخاء، وتزين لهم الحياة الرغدة الميسرة المقبلة عليهم، وغرق الشعب في بحار الأمل وإذ بهم وعلى حين غفلة يفاجأون بقرارات تصدرها الحكومة ترفع بها أسعار عديد من السلع الأساسية التي تمس حياتهم وأقواتهم اليومية مما أدى الى زلزال غضب في قلوب الناس التي تمزقت بين الآمال المنهارة والواقع المرير، وكان لهذا الانفعال والغضب أن يجدا لهما متنفسا وإذا بالأعداد الهائلة من هذا الشعب تخرج مندفعة إلي الطرقات والميادين، معلنة سخطها وغضبها على تلك القرارات.. وحاولت جهات الأمن أن تكبح الجماح وتسيطر علي النظام ولكن أني لها هذا والغضب متأجج والآلام مهتاجة".
محمد امين الرافعي
أصدر حكمه التاريخي ببراءة المتهمين من محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ القاهرة سنة 86 الأزبكية عام 1987، في قضية تجريم ممارسة عمال السكك الحديدية لحقهم في الإضراب عن العمل. وجهت تهمة إلى عمال السكة الحديد بصفتهم موظفين عموميين امتنعوا عمداً عن تأدية واجبات وظيفتهم بأن امتنعوا عن قيادة قطارات السكك الحديدية المنوط بهم قيادتها متفقين على ذلك ومستغلين تحقيق غرض مشترك هو الضغط على الحكومة للاستجابة لمطالبهم المالية وكان من شأن ذلك أن يحدث اضطرابا وأضرارًا بمصالح عامة.
وحكم الرافعي قائلا: المحكمة استقر في وجدانها أن ذلك الإضراب ما كان يحدث من تلك الفئة من العمال – وقد كانت مثالا للالتزام والتضحية – إلا عندما أحست بالتفرقة فى المعاملة والمعاناة عن كاهل فئات الشعب. فلهده الأسباب وبعد الإطلاع على المواد سالفة الذكر حكمة المحكمة حضوريًا ببراءة جميع المتهمين مما أسند إليهم.
المستشار ممتاز نصار
وقفت الدولة ضده في انتخابات نادي القضاة عام 1969، حيث دعم وزير العدل آنذاك القائمة التي تنافسه، لكنه حقق انتصارًا ساحقًا بفوز قائمته بـ12 مقعدًا بنسبة 100% من المقاعد. تم اختياره كأفضل نائب في برلمان 1976، ووقف في وجه رؤساء الجمهورية جمال عبدالناصر وأنور السادات ولم يخش أيًا منهما، فعارض سياسات السادات واتفاقية السلام "كامب ديفيد" مع إسرائيل. وكان من بين نشاطه في البرلمان، اقتراحه مشروع يقضي بإلغاء مخصصات أسرتي الرئيسين السابقين جمال عبد الناصر وأنور السادات في كل من القاهرة والإسكندرية حيث إن كلتا الأسرتين أصبحتا في حالة اقتصادية طيبة بما تزول معه أسباب ومبررات هذه المخصصات.
المستشار يحيى الرفاعي
هو شيخ قضاة مصري، والملقب بـ"الضمير الثائر" بسبب دفاعه عن الحقوق والحريات ومواقفه الثابتة، هاجم مبارك في أوج بطش نظامه، عندما كان رئيسًا لنادي القضاة عام 1986 في عهد مبارك، حيث كانت من أشهر مواقفه مهاجمة مبارك في حضوره أثناء مؤتمر العدالة الأول عام 1986 بسبب تمديده لقانون الطوارىء لمدة عامين متهمًا إياه بإساءة استغلال السلطة مما فجر أزمة كبيرة بين مبارك ونادي القضاة.
المستشار عبدالرازق السنهوري
هو واحد من أهم رجال القانون في تاريخ مصر، ولقب بـ"أبو القانون المدني"، ولديه العديد من المؤلفات في مجال القانون والتشريع، شغل منصب رئيس مجلس الدولة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقرر إلغاء قرارات اتخذها عبد الناصر، وطالبه بإعادة الأحزاب وإقامة حياة دستورية سليمة بدلًا من الانفراد بالسلطة.. تم اقتحام مكتبه والاعتداء عليه من قبل متظاهرين مؤيدين لعبد الناصر تمهيدًا للإطاحة به و10 آخرين من مجلس الدولة فيما عرف تاريخيًا بمذبحة مجلس الدولة، وكان من المجددين القانونيين والفقهيين في مصر والعالم العربي خلال القرن الماضي.
نهى الزيني ومحمود مكي وهشام البسطويسي
مواقفهم التاريخية بمواجهة تزوير انتخابات مجلس الشعب 2005، وكشف تورط بعض القضاة فيها، أدى إلى تحويل بعضهم إلى مجلس تأديبي بتهمة الخروج على التقاليد القضائية، والإضرار بسمعة القضاء المصري نظرًا لما قدموه من دلائل على التزوير وفضحهم الواقعة في وسائل الإعلام المختلفة، يستدعي أن يظل هؤلاء القضاة ضمن قائمة أكثر القضاة تمسكا بالمبادئ
أضف تعليقك