لم يكن اسبارتاكوس على حق عندما سأل بحسرة بعد انكسار قواته أمام الرومان: لماذا خسرنا؟!
ببساطة لأن الزمن أثبت أمام العالم كله أن اسبارتاكوس لم يخسر معركته ضد جيوش روما، بدليل أنني أكتب عنه اليوم من الذاكرة، بينما فشلت في تذكر اسم الأمير أو الجنرال الذي أسره وأمر بصلبه، لذلك.. وبرغم الانكسارات التي نتعرض لها، لن أسأل السؤال بصياغته التي تعرتف قطعياً بالهزيمة، سأكتفي باستفسار أقل حسرة وأكثر أملاً: هل خسرنا؟!
هل خسرنا؟
(2)
إجابتي الوحيدة: لا.. لم نخسر، ربما لم ننتصر بعد ولكننا لم ننهزم، ولذلك علامتان: الأولى أن يظل المحارب واقفاً على قدميه، والثانية أن تظل عقيدته ناصعة في قلبه، وطالما أننا نعرف أن العدو لا يزال عدواً، وأن المعركة لا تزال مستمرة، فإن النصر سيظل أقرب لنا طالما نحتفظ بالعلامتين ونورثهما للأجيال المنذورة للمقاومة، لذلك لا يجب أن تكسرنا السجون ولا المنافي ولا يجب أن نتقاعس عن دفع ثمن الحرية، ولا ينبغي أن ننظر بيأس لما آلت إليه مؤقتا "جولة تيران وصنافير"، لأن النتيجة النهائية ليست هزيمة (إلا إذا نسينا)، فالمعركة بالنسبة لكل مقاوم لا تزال في الملعب، صحيح أن النصر مؤجل، وصحيح أن المقاومة تتعرض لضربات عنيفة، لكن الدم الذي يفضي إلى الحرية والكرامة خير من سلام مغموس بالذل والمهانة، كما أنني لا أعتبر فوز السيسي بولاية رئاسية ثانية هزيمة نهائية للمعارضة، بل نصرا خسيسا من مغتصب سلطة، وأؤمن أننا قادرون على التطهر من هذا الاغتصاب بالمقاومة والتمسك بعلامتي النصر: البقاء أحياء مقاومون، ونقش صورة العدو على فوهات البنادق حتى لا نخطئ معاركنا تحت مسميات مغلوطة وذرائع مضللة.
(3)
سارعت الخارجية الأمريكية بتهنئة السيسي وتأكيد حرصها على استمرار العمل معه، كما سارعت تل أبيب بتهنئة السيسي ومديحه بما يشينه من صفات يسبغها عدو البلاد على "بطل البلاد"! في الوقت الذي جاهر فيه محمد بن سلمان بما لم يجرؤ عليه أسلافه (الذين كانوا يفعلون ذلك سراً) فقد اعترف بحق اليهود التاريخي في تأسيس دولة على "أرضهم"، وأكد كما يؤكد غيره من المنبطحين أن "إسرائيل" لم تعد العدو، بل هي دولة قوية اقتصادها كبير وقابل للنمو، ومن الممكن إقامة علاقات عظيمة معها، ثم أشار على استحياء إلى شرط "السلام" وحق الفلسطينيين في دولة، من دون أن يشير إلى القدس، ومن دون أن يوضح: بأي حق تطالب فلسطين بدولة بعد اعترافه بحق اليهود التاريخي في "أرضهم"، وكان واضحا في الحوار الذي نشرته مجلة "ذا اتلانتيك" الأمريكية أن ابن سلمان يتحدث صراحة بلسان نتنياهو، مؤكدا أن إسرائيل ليست العدو، بل إيران التي وضعها على قمة ما أسماه "مثلث الشر" مشيرا إلى الإخوان المسلمين وتنظيمات إسلامية وصفها بالإرهاب خلط فيها بين داعش والقاعدة وحماس وحزب الله واصفاً خامئني بأنه أكثر قبحاً من هتلر.. إلى آخر ما ورد في الحوار المثير للغيظ وللرفض وللجدل.
(4)
بعد ساعات من نشر الحوار، واهتمام الميديا العالمية والعربية بتفسير ما ورد فيه من سقطات تباهى بها "الحاكم الميداني للمملكة"، استشعرت دوائر قريبة من الملك سلمان أن تصريحات "فاوست السعودي" ستؤدي إلى صدمات عربية وإقليمية يجب تجنبها بالحيلة حتى لا تبدو تراجعا يغضب نتنياهو وترامب، خاصة وأن تنازلات "الأمير المتعجل" تهدد مكانة السعودية الرمزية من الناحيتين الدينية والسياسية، لذلك خرج الملك سلمان عن صمته، وبثت الوكالة الرسمية في السعودية (واس) خبرا عن اتصال هاتفي بين "العاهل المحتجب" وبين الرئيس الأمريكي الجامح دونالد ترامب، كان واضحا أن الغرض من الخبر يهدف إلى تلطيف التداعيات التي بدأت تتصاعد ضد تصريحات ابن سلمان، فتمت الإشارة إلى حق الفلسطينيين في دولة عاصمتها القدس، مع التأكيد على العداء لإيران، وإظهار الموافقة على حزمة المطالب التي يطلبها الأمريكان من السعودية سراً وعلناً، ومن بينها ما تحدث به ترامب أكثر من مرة عن ضرورة "دفع الفواتير"، والتي استجاب لها بن سليمان فوراً أثناء زيارته، مبتلعاً إهانة أن ما دفعته السعودية لأمريكا اثناء قمة الرياضة لم يكن إلا "الفتات"، بينما تريد أمريكا "نصيب الأسد، ثم أضاف ترامب أمس تصريحا كاشفا طالب فيه السعودية على الملأ بضرورة دفع فاتورة القوات الأمريكية في سوريا، إذا كانت تريد منها البقاء! بالرغم من أن واشنطن تتواجد في سوريا لمصالح تتعلق بإستراتيجيتها ولا يمكن بأي حال تحريك جندي أمريكي خدمة لمصالح أي دولة أخرى غير أمريكا، لأن المؤسسات ودافعي الضرائب والدستور الأمريكي الملزم لا يسمح بذلك تحت أي ظرف.
(5)
هكذا يسارع ترامب بالضغط على "تابعيه" لخلع ثياب الحشمة السياسية، والرقص عرايا في بلاط صفقة القرن، حتى أن ابن سلمان تحدث على المكشوف عن علاقات مستقبلية وطيدة مع إسرائيل، تجاوز فيها الحديث عن نفسه وعن المملكة التي يسعى للهيمنة عليها بأي ثمن، ليتحدث عن حلف عربي شريك لإسرائيل، وضع فيه دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر والأردن، كما أشار لدول لم يذكرها بالاسم من شمال أفريقيا، ولا نعرف إن كان يقصد المغرب فقط، أم أن "خيمة العرب" تسع لمزيد من "خيبة العرب"؟!
(6)
ابن سلمان يقول، وسلمان نفسه يقول، وشعب الجزيرة حائر: أي سعودية نصدق؟!.. هل تسعى السعودية حقا لدولة فلسطينية؟ وهل تؤمن حقاً بحق اليهود التاريخي في "أرضهم"، وهل العلاقات مع "إسرائيل" بشرى عظيمة مرهونة بسلام مجهول، بينما إيران عدو نهائي لا حوار في ذلك؟
هذه الأسئلة ليست تدخلاً في الشأن السعودي، وليس نكاية في نظام أو حكام، لكنها شأن إسلامي وشأن عربي لا يخص الملك والأمير، فإذا كنت عربياً فلك الحق بأي دين فلك الحق أن تدقق في مصير أمتك ومستقبل قضاياك المصيرية وتهتف واعرباه، وإذا كنت مسلما فلك الحق أن تسأل وترتاب وتنصح وتعترض وتواجه وتهتف وا إسلاماااااه.
أضف تعليقك