• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: عبد الرحمن يوسف

لماذا سيتوحش السيسي؟!

أُسدل على ما يسمى بالانتخابات الرئاسية المصرية الستار وأصبح السيسي عمليا بصدد أولى خطواته في ولاية رسمية ثانية يتربع فيها على عرش البلاد ويمارس فيها نفوذه غير المحدود الذي أسس له منذ خطاب التفويض يوم 26 (يوليو/تموز) 2013 عقب الانقلاب في نفس الشهر.

أسس السيسي لنظامه عبر آلة قمعية باطشة لكنها كانت آخذة في التدرج، تدرج شمل كافة الجوانب السياسية والإعلامية والاقتصادية، فالرجل بدأ وحوله مجموعة كبيرة من الحلفاء تظن في نفسها شريكا لنظام حكم قائم، وترغب في جزء من كعكة الحكم ولو بشكل ديكوري غير مباشر، وظن الجميع أن السيسي سيكون "بونابرت" العصر الذي يُعدل من أسس الدولة ويفرض الإصلاح بالقوة، ويكون المستبد العادل صانع النهضة أو الحضارة ولو حساب دماء فئة كبيرة في المجتمع، ومن ثم لم تكن مذبحة فض اعتصام رابعة والنهضة في أغسطس وقبل أقل من مرور شهر من خطاب التفويض الشهير دليل على تسرع الرجل، ولم تكن رسالة واضحة المعالم لمن ظنوا أنهم حلفاء للنظام، فحينها كان شيئا مستساغا وأحيانا مرحباً به أن يتم التخلص من الإخوان وقطاع عريض من الإسلاميين واعتبار أن ما جرى نوع من "العقاب العادل".

لذا فالرجل سار في خطواته المتتابعة وصولا لمسرحية ادعاء أن ترشحه في انتخابات الرئاسة هو نزولا على رغبة الجماهير المؤيدة له، بوصفه "المنقذ" للبلاد وحاميها، معتبرا أن تولي عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا في عهد مرسي مقاليد حكم البلاد دليلا على حياديته نحو كرسي الحكم، وفي أثناء ذلك مهد الرجل لحصوله على رتبة مشير في سياق ترتيبه وتصوره عن نفسه بوصفه "قياديا" عسكريا، ومن ثم مارس فكرة التدرج في بناء الصورة الذهنية عنه خلال طريقه نحو السلطة.

أما إقليميا فقد كانت الرغبات الخليجية ممثلة في الإمارات والسعودية بالإطاحة بالإخوان متوازية مع ما يعده السيسي، لذا فقد كان الأمر سهلا حينها لأن يكون هناك مساعدات غير مشروطة وبدعم سياسي واقتصادي ذو سقوف عالية، صاحبه دعم وتأييد متصاعد من دولة الاحتلال الإسرائيلي وصل إلى تحالف غير مسبوق.

 لذا فعلى الرغم من هزلية المشهد الانتخابي في عام 2014 إلا أنه لاقى نوعا من الترحيب وعدم الممانعة من قبل الكثيرين، واعتبر البعض أن السيسي أو المؤسسة العسكرية لها حق في تولي تلك الحقبة، ولاسيما من حلفاء 30 يونيو، لاسيما أن حراك الإخوان وداعميهم أستمر فاعلا في الشارع المصري حتى إن لم يكن ذا قدرة تأثيرية على تغيير موازين الأمور.

استمر الحال على هذا النحو فترة وجيزة لكن سرعان ما بدأ السيسي في بناء منظومته الداخلية والإطاحة بالعديد من وكلاء المخابرات وإحداث تغييرات وتعديلات في قيادات الجيش الأمر الذي رتب تغيرات داخل المجلس العسكري كذلك، الأمر الذي وصل مؤخرا بالإطاحة برئيس أركان ومدير مخابرات في عام 2018.

ورويدا رويدا بدأ السيسي في الانقلاب على حلفاء 30 يونيو بطرق متعددة إما بالاستبعاد من المشهد أو استهداف نشطاء أو فاعلين سابقين في التيارات المدنية، والأحزاب السياسية، وهو ما تجلى بشكل واضح نهاية في هندسة الانتخابات البرلمانية على يد الأجهزة الأمنية، بينما كان اقتصاديا يبيع الأمل المغشوش للمواطنين عبر مؤتمرات اقتصادية ومشاريع وهمية على رأسها مشروع تفريعة قناة السويس التي افتتحها في السادس من (أغسطس/آب) عام 2015 في مشهد واحتفال مهيب وقف فيه موقف الفاتح المنتصر ببذته العسكرية.

ولم تكن السنوات التالية لهذا المشهد أفضل حالا، فمعدلات البطش والتنكيل والقتل والاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية طالت الجميع وبدا أن جمهورية للخوف تُبنى في مصر لاسيما مع تزايد وتيرة الإرهاب واستخدامه كمبرر وفزاعة للتنكيل بأي حد ولتمرير أي شيء ولتكميم الأفواه نحو أي صوت مخالف أو مغردا خارج سرب إعلام النظام الذي صُنع على عينه وأعيد هندسة أوضاعه بحيث تسيطر عليه الأجهزة الأمنية تماما معنويا وماديا.

فيما كان التجلي في التغيير الاقتصادي لوجه المجتمع بتعويم الجنيه والاقتراض الضخم من صندوق النقد الدولي والاستجابة لاشتراطاته والبدء في تحرير أسعار الطاقة الأمر الذي ضاعف الغلاء وأضعف من قدرة الناس على الحركة وحصرها في إطار دوامة من التحديات اليومية لمجرد توفير لقمة العيش. لكن وفي إطار هذا كله ورط السيسي مصر في عدة مشاكل تخص ملفات استراتيجية وقنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة في وجه المجتمع وربما تشكل خطرا عليه شخصيا، وهي ملفات المياه والحدود والديون الاقتصادية الهائلة.

هذه القنابل الموقوتة برأيي هي جزء من أسباب محاولة معاوني السيسي القريبين وربما هو نفسه، في إخراج المشهد الانتخابي بصورة يبدو فيه التأييد غير محدود أو ذو سقوف عالية ودفع الإعلام لطرح أسئلة جدية حول مسألة المشاركة والفرز والتصويت ليبدوا المشهد وكأنه حقيقي رغم هزليته الشديدة التي لا يمكن تجميلها كالمرة الأولى في ظل انخفاض كبير في شعبية الرجل بشكل غير مسبوق رغم الاعتراف بوجود شرائح مؤثرة ومنتفعة مؤيدة له رغبة أو رهبة.

لذا فإن إتمام ترتيبات صفقة القرن والتنازلات التي قدمت في ملف الأرض والتقارب الغريب غير المبرر مع دولة الاحتلال، وشح المياه الذي يلوح في الأفق بكل تداعيات الكارثية بعد توقيع اتفاقية المبادئ الإطارية من قبل السيسي مع أثيوبيا والسودان، وتحرير أسعار الطاقة تماما والغلاء الفاحش الذي يلوح في الأفق، لذا فلا أجد أمامي كمتابع للشأن المصري إلا التوقع بتوحش من قبل السيسي لإتمام سيطرته على المشهد تمام أمام أي موجات غضب جماهيرية قد تندلع لا إراديا في ظل غياب معارضة سياسية منتظمة أو مرتبة أو أي فاعلين سياسيين أو حركيين على الأرض في ظل دعم دولي من قبل يمني وديكتاتورين قوى دولية كدونالد ترمب أو فلاديمير بوتين أو هؤلاء ممن قبلوا بالرشاوي المقنعة في صفقات أسلحة عديمة القيمة كفرنسا، ودولة عربية أو إماراتية رهنت السيسي لها في إطار مشاريعها الإقليمية في صراعها مع قطر أو في إطار طموحات شخصية كتلك التي لدى محمد بن سلمان.

ومن ثم لا غرابة أن يكون أولى خطوات السيسي التي يُمهد لها هو تغيير الدستور وهندسته بما يلائم ما هو قادم ولا يقتصر على إتاحة مسألة إمكانية تمديد فترات حكمه إلى ما لا نهاية، الواضحة لكل ذي عينين. فلا غرابة رغم سيطرة السيسي على مقاليد المؤسسة العسكرية كما هو ظاهر، إلا أن تلك القنابل الموقوتة قد تشجع على توليد رغبات داخلية في المؤسسة العسكرية لإحداث تغيير أو انقلاب وهو ما يدركه الرجل الغارق في بحر من جنون العظمة والاستعداد للتوحش والتدمير لكل ما يهدد شعوره بالعظمة واستحقاق التفرد بالسلطة "كطبيب للفلاسفة"، كما يسمي نفسي، أُعطي الحكم من دون الناس، كما صورت له "مناماته" التي يعتقد فيها ويؤمن بصحتها.

 

 

أضف تعليقك