أدمى رحيل الكاتب والروائي الكبير أحمد خالد توفيق قلوب المصريين، بعد أن وافته المنية أمس الإثنين عن عمر ناهز 55 عاما في إحدى مستشفيات القاهرة إثر أزمة صحية مفاجئة.
وكان توفيق من الكتاب العرب القلائل الذين برعوا في كتابة روايات الخيال العلمي وقصص الرعب، فأصدر أكثر من سلسلة قصصية مثل "ما وراء الطبيعة" و"فانتازيا" و"سافاري".
سيرته وكتاباته
ولد توفيق في مدينة طنطا بمحافظة الغربية في العاشر من يونيو 1962، وتخرج في كلية الطب عام 1985 وحصل على الدكتوراه في طب المناطق الحارة عام 1997.
انجذب الطبيب أحمد توفيق للأدب والرواية، وراح يغوص في الكتابة للشباب المتعطش لمواضيع بعيدة عن السياسة وهمومها، حيث اختار عالم الرعب والخيال العلمي والفنتازيا، وكل ما يحلق بالقارئ بعيدا عن واقعه المؤلم.
وقبل قصص الرعب والخيال، بدأ أحمد توفيق كتابة القصة القصيرة التي انتهج فيها تيار"الواقعية الاشتراكية"، متأثرًا - كما قال هو نفسه في تصريح للإعلام المصري- بكتابات مكسيم غوركي وأنطون تشيخوف.
تميز أحمد توفيق بأسلوبه السردي السهل، وهو ما عرّضه للانتقاد، لكنه رد بالقول "إن الكتابة لا يجب أن تعذب القارئ أو تشعره بالهزيمة أو الفشل".
ويرى أن " الكتابة علاج لاضطرابات الكاتب النفسية. والكاتب الحق -والناجح أيضا- هو الذي يكتب لنفسه أولًا، لأنه لو كتب من أجل القراء أو الجماهير فسيدخل في دائرة الافتعال والابتذال"، وذلك كما جاء في حوار سابق له في برنامج تلفزيوني.
استطاع توفيق أن يقدم نفسه للقراء من خلال رواية "ما وراء الطبيعة" التي نشرها عام 1993، وهي عبارة عن سلسلة من الخيال العلمي محورها ذكريات شخصية خيالية لطبيب أمراض دم مصري متقاعد اسمه رفعت إسماعيل، حول سلسلة حوادث خارقة للطبيعة تعرض لها في حياته.
كتب أيضا الرواية الاجتماعية "يوتوبيا" الصادرة عام 2008، والتي تدور أحداثها في عام 2023 ويلخص فيها حال الأوضاع في مصر، حيث طبقة بالغة الثراء والرفاهية وأخرى تعاني الفقر المدقع.
وكتب رواية "السنجة" التي أصدرها بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك عام 2011، فخاض في المناطق المنسية في بلاده، وفي عالم البلطجية والعشوائيات.
كما خاض في عوالم المستقبل والخيال في رواية "مثل إيكاروس" الصادرة عام 2015، وهي الرواية التي فازت بجائزة أفضل رواية بمعرض الشارقة للكتاب 2016.
وفي رواية "ممر الفئران" الصادرة عام 2016، عمل الكاتب المصري إسقاطا على جوانب من قضايا الحكم والسلطة في الكثير من الدول النامية، وعلى الحالة التي يحتكر فيها قلة من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ خيرات بلادهم مع تقديم الأغلبية العظمى من المواطنين لقمة سائغة للجهل والمرض والخوف، إلا أن المؤلف يطرح أفكاره ويصيغ تساؤلاته في قالب غير منفر.
كما ترجم أفكاره في بقية الروايات مثل "شآبيب" التي صدرت في معرض الكتاب الذي أقيم بالقاهرة في يناير 2018، و"اللغز وراء السطور" الصادرة عام 2017.
وترجم عشرات الكتب والروايات، وله مقالات في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية.
جوائز حصل عليها
نال أحمد خالد توفيق جائزة الرواية العربية في معرض الشارقة الدولي للكتاب في 3 نوفمبر 2016 عن روايته "مثل إيكاروس".
مواقفه وتواضعه
في الذكرى الثالثة لمذبحة رابعة حجب مقاله الأسبوعي بالشروق حدادًا على شهداء رابعة.
وكان توفيق متواضع إلى حد بعيد حيث كان يصف نفسه قائلًا : "لا أعتقد أن هناك كثيرين يريدون معرفة شيء عن المؤلف.. فأنا أعتبر نفسي ـ بلا أي تواضع ـ شخصاً مملاً إلى حد يثير الغيظ.. بالتأكيد لم أشارك في اغتيال (لنكولن) ولم أضع خطة هزيمة المغول في (عين جالوت).. لا أحتفظ بجثة في القبو أحاول تحريكها بالقوى الذهنية ولم ألتهم طفلاً منذ زمن بعيد.. ولطالما تساءلت عن تلك المعجزة التي تجعل إنساناً ما يشعر بالفخر أو الغرور.. ما الذي يعرفه هذا العبقري عن قوانين الميراث الشرعية؟.. هل يمكنه أن يعيد دون خطأ واحد تجربة قطرة الزيت لميليكان؟.. هل يمكنه أن يركب دائرة كهربية على التوازي؟.. كم جزءاً يحفظ من القرآن؟.. ما معلوماته عن قيادة الغواصات؟.. هل يستطيع إعراب (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل)؟.. هل يمكنه أن يكسر ثمرة جوز هند بين ساعده وعضده؟.. كم من الوقت يمكنه أن يظل تحت الماء؟.. الخلاصة أننا محظوظون لأننا لم نمت خجلاً من زمن من فرط جهلنا وضعفنا..".
أطلق عليه محبوه لقب "عراب الجيل" وهو ما رفضه مرارًا قائلًا إن "الهالة التي يضفيها قراءه عليه تزعجه عندما يشعر أنه يتوقع منه ما هو أكبر من إمكاناته".
وفاته
توفي أحمد خالد توفيق يوم 2 أبريل 2018 عن عمر ناهز 55 عاما، إثر أزمة صحية مفاجئة.
ونعت العديد من الهيئات والمؤسسات الثقافية والأدبية الراحل، وتصدر هاشتاج "أحمد خالد توفيق" موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، حاملًا آلاف التغريدات الحزينة من النشطاء الذين نعوا "عراب الجيل".
وظهر اليوم الثلاثاء، توافد المئات من محبي الكاتب والروائي الكبير على مسجد السلام بطنطا، لتشييعه لمثواه الأخير، وسط حضور لفيف من أفراد عائلته وأعداد كبيرة من محبيه من المثقفين والأدباء وأساتذة وطلاب الجامعات، لدفنه بمقابر عائلته بالغربية.
ووصل جثمان الفقيد إلى مسجد السلام بمنطقة المرشحة بمدينة طنطا، وسط حالة من الحزن والبكاء بين أهل وأصدقاء الفقيد، وأدى المئات صلاة الجنازة عليه قبل أن يتم تشييعه إلى مثواه الأخير.
أضف تعليقك