فرق كبير بين كلام الخطابات المتلفزة لحسن نصر الله، وبين كلام الأروقة الداخلية، وهو ما ينطبق على غالبية السياسيين بهذا القدر أو ذاك، لأن الكلام «المتلفز» يخاطب أنواعا شتى من الناس.
تقليديا، حاول نصر الله تقديم نفسه كزعيم عابر للطوائف، لكن الموقف ما لبث أن تغير خلال الأعوام الخمسة الأخيرة حيت ارتفعت لديه النبرة المذهبية على نحو لافت، وهو أمر طبيعي، تبعا للحاجة إلى حشد الحاضنة الشعبية وراء معركته العبثية في سوريا، والتي قتلت وجرحت آلافا مؤلفة من أبناء الطائفة، الأمر الذي لن يكون بالإمكان جبره بغير خطاب الحشد المذهبي.
مع ذلك سيبقى الخطاب يراوح بين الحشد المذهبي، وبين الحديث إلى فئات تنتمي نظريا أو عمليا إلى الغالبية السنيّة في المنطقة، وإلى تيارات قومية ويسارية تسانده، وهنا يحضر الحديث عن القضية الفلسطينية وأمريكا، لكن الخطاب الداخلي له شأن آخر، فكيف حين يكون لإيرانيين يقيمون في لبنان، وهؤلاء ينتمون إلى التيار المحافظ في إيران (هم غالبا من البعثات الإيرانية إلى لبنان)، ولا يمثلون عينة عشوائية من عموم الشعب الإيراني الذي تميل غالبية مريحة من أبنائه إلى التيار الإصلاحي الذي لا يؤمن بمعارك «الولي الفقيه» الخارجية.
حديث نصر الله الذي سننقل بعض فقراته هنا، نشره موقع «فردا نيوز» الإيراني، وبالطبع نقلا عمن حضروا اللقاء، ثم جرى حذفه، ومن جهة الحزب نفيه، لكن عاقلا لا يمكن أن يصدق أن مراسلا إيرانيا سيكذب على «السيد»، أو يؤلف شيئا لم يقله.
عموما، توقعنا أن يحدث ذلك، منذ نشر اللقاء، لأن ما ذُكر قد يخرّب على ما تبقى من تأييد في أوساط الغالبية، مع أن جزءا معتبرا منها سيغلق أذنيه عن أي شيء، ويواصل مسيرته العبثية، تبعا لهواجس حزبية أو أيديولوجية.
في اللقاء تجوال على جملة من المواقف المثيرة حيال مجريات المنطقة خلال المرحلة الأخيرة، مع نبذة تاريخية عن حالة الشيعة في لبنان.
حول أوضاع الشيعة في لبنان قبل نجاح الثورة الإيرانية، قال نصر الله: «كان الشيعة في لبنان مضطهدين، وليس لهم من يدعمهم كباقي الطوائف التي كانت مدعومة من السعودية وروسيا وبريطانيا وفرنسا.»
وأضاف: «كان أمل الشيعة الوحيد في لبنان هو الإمام موسى الصدر، الذي جاء من مدينة قُم الإيرانية، لكن علماء لبنان كانوا يقولون له: أنت إيراني، والصدر هو من أيقظ الشيعة، حيث لم تكن لديهم ثقة بالنفس؛ لأن الحكم كان دائما بيد العثمانيين وابن تيمية والعباسيين، ولم يستطع الشيعة إظهار معتقدهم».
ثم يواصل نصر الله نبذته التاريخية عن لبنان، فيقول عن مدينة طرابلس إنها كانت قبل 100 عام للشيعة، وسكانها من الشيعة، ومدينة صيدا كانت شيعية، والآن أصبحت سنيّة».
وحول نشأة حزب الله، قال نصر الله: «نحن ولدنا مع الثورة الإيرانية، لقد حصلنا على حياتنا ووجودنا من خلال الثورة، وأهم تجربة لولاية الفقيه في الخارج كانت في لبنان، وإذا كنا الآن أحياء ونعيش بعزة وكرامة، فذلك ليس بسبب السلاح والمال، بل بسبب اعتقادنا بولاية الفقيه»، التي قال إنها تعني بالنسبة لهم «طاعة للمعصوم». ثم يكشف المزيد بالقول إن «ولاية الفقيه فوق الدستور (اللبناني)، ونعتبر تنفيذ أوامر الولي الفقيه واجبا إجباريا».
وعن موقف حزب الله من بشار الأسد، قال نصر الله: «نحن لا نقاتل من أجل بشار الأسد، نحن نقاتل من أجل التشيّع، ولولا حزب الله وإيران لسقطت سوريا. الشيعة اليوم في ذروة قوتهم بالمنطقة».
ولم ينس قضية المهدي في الحديث معتبرا أن: «ظهور الإمام المهدي سيكون على يد الإيرانيين، والثورة الإسلامية الإيرانية مهّدت الأرضية لظهور المهدي، وهذا لا مثيل له في التاريخ».
ولم ينس أيضا أن يجامل الحاضرين، وهم كما قلنا من التيار المحافظ، بهجومه على الإصلاحيين، حيث قال: «في فتنة عام 2009 ذهبت إلى إيران، والتقيت القادة (قادة الثورة الخضراء)، وقلت لهم إن جميع أعداء إيران سعداء، وجميع الشيعة في العالم منزعجون مما حدث».
هذه هي خلاصة ما يؤمن به نصر الله، فهو مجرد أداة بيد» الولي الفقيه»، ويحدد مواقفه بحسب ما يريد الأخير، والمذهبية هي ما يحدد مواقفه وليس شيئا آخر.
نعرف ذلك كله، ومعظمه صرّح به نصر الله متفرقا في خطابات شتى، لكن جريمة «وليه الفقيه» بحق الشعب السوري هي التي فجّرت الموقف كما لم يحدث من قبل، وكشفت المستور، وربما المسكوت عنه بتعبير أدق.
أضف تعليقك