عندما تشاهد ما عرضه برنامج «ما خفي أعظم» على قناة «الجزيرة»، عن المحاولة الفاشلة للانقلاب سنة 1996 على الحكم في قطر، يمكنك أن تفهم الدوافع وراء الحصار، الذي بدا مفاجأة للجميع، والعلاقة كانت تبدو على ما يرام، بين أهل الحكم في السعودية وأمير دولة قطر!
لقد شاهدنا الملك سلمان يحل ضيفاً على الدوحة، ويرقص الرقصة الخليجية المعروفة، في صورة بدت أنها رسالة لآخرين، لا سيما وأن الأذرع الإعلامية لعبد الفتاح السيسي كانت قد «فرشت الملاية» وأمتعت المشاهدين بوصلة «ردح» ضد المملكة، عندما توقف «الرز»، وقد سئل بعد ذلك «نجله» وولي العهد في قناة «العربية» عن سبب هجوم الإعلام المصري عليه، فقال بصوت خشن لشاب في مرحلة البلوغ: «تقصد الإعلام الاخواني»، ولا أعرف التغيرات الفسيولوجية التي تحدث داخل الشاب فتجعل صوته أجش في هذه المرحلة قبل أن يهبط درجة أو درجتين، ليستقر على وضع أقل حدة، لكن ما أعلمه أن أهل الذكر في مجال الغناء ينصحون الشاب في هذه المرحلة بألا يجهد حباله صوتية، لأن تغييرات سلبية تحدث بسبب هذا الاجهاد تؤثر على نغمة الصوت مدى الحياة، وأن عليه إن كان يعمل في مهنة تستدعي استخدام الصوت أن يتوقف في هذه الفترة، ويقال إن الحشرجة في صوت «جورج وسوف» إنما ترجع الى عدم الالتزام بهذه النصائح، ربما لأنه لم يجد من يوجهه في مرحلة البلوغ!
لقد كان واضحاً أن قطر والسعودية تجاوزتا أزمة محاولة الانقلاب الفاشلة، والصفحة الجديدة ربما لم تفتح فقط في عهد الملك سلمان، لكن كان من الواضح أن صفحة الانقلاب طويت، وأنتجت قيام قطر في عهد الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة، بتسليم المتهمين السعوديين بعد طلب من الملك عبد الله، وجاء ابنه متعب إلى الدوحة والتقى الأمير، على النحو الذي عرضه برنامج «ما خفي أعظم» في فقرته الثانية، لكن كان من الواضح، أن الأمور تدور في نطاق قول الإمام الشافعي: «.. ولا كل من صافيته لك قد صفا/ إذا لم يكن صفو الوداد طبيعية/ فلا خير في ود يجيء تكلفا/ ولا خير في خل يخون خليله/ ويلقاه بعد المودة بالجفا».
لا بأس، فإنما تبكي على الحب النساء، وفي الحقيقة، أن طرفين آخرين، ربما لم يتوقف في أذهانهما المخطط، وهما البحرين والامارات، ولم يصيبهما اليأس من فشل المحاولات السابقة، فبعد فشل محاولة 1996، واصلت البحرين والإمارات المحاولة، بالشكل الذي تعرضت له الحلقة الثانية، فهل البحرين مستقلة عن السعودية؟!
حكيم العرب
لم يدفع فشل المحاولة إلى التوقف عن العبث، فقد استمر المخطط يديره ولي عهد عهد البحرين (الملك الحالي)، فقد أصبحت البحرين مملكة (إي وربي) كما أداره الشيخ زايد، ونجله (محمد) المسؤول الحالي عن مركز الثورة المضادة في المنطقة، والشيخ زايد معروف في مصر بأنه «حكيم العرب»، لكن هذا المخطط يكشف أنها الدعاية المكثفة، وهو وصف خلعه عليه الاعلام المصري الحكومي بعد توقيع السادات لاتفاقية السلام مع اسرائيل، وحرص هو لأسباب لم تكن واضحة ساعتها على استمرار علاقته بالسلطة المصرية، فقد كان يؤسس لان يكون الورثة هم رجال الكيان في المنطقة فيما بعد، وحتى المعارضة التي كانت تقف ضد السادات، صارت بعد ذلك تردد عبارة «حكيم العرب»، دون أن تتذكر المناسبة أو الجهة التي أطلقت هذا الوصف، وأحد الكتاب القوميين ألف كتاباً عن «حكيم العرب» لكن باسم مستعار، ولا أعرف لماذا قبلوا هذه الدنية، التي تتمثل في أن الكاتب لم يجد في الأمر ما يشرفه فأخفى اسمه الحقيقي؟!
الحلقة الثانية من برنامج «ما خفي أعظيم» والخاصة بمحاولة الانقلاب الفاشلة، كانت عن استمرار المؤامرة بعد فشل المحاولة الأولى، فمن هربوا من المكلفين بتنفيذها دخلوا إلى الامارات عبر السعودية بدون جوازات سفر، واستقبلوا استقبال الأبطال على حد وصف «فهد المالكي» أحد المسؤولين الكبار عن المخطط، وتم منحهم الجنسية الاماراتية، لأن المهمة لم تنته كما قرر القائمون عليها في المنامة وأبو ظبي، وكان المخطط يقوم على القيام بأعمال تخريبية، سواء بالتخطيط لاقتحام السجن المركزي واخراج المتهمين منه، وتفجير محطة وقود منطقة «الوجبة»، وفي احدى العمليات أصيب وزير الصحة، عندئذ تأكدت هواجس الأمير الوالد «خليفة بن حمد»، من أن السعودية تهدف من الانقلاب واعادته للسلطة، السيطرة على قطر، وهو ما ذكره لأحد المشاركين في المحاولة، لعله «فهد المالكي» وأذيع على لسانه في الحلقة الأولى، وعلى إثر هذا فقد غادر إلى أروبا، وترك لهم الجمل بما حمل!
«حكيم العرب»، الشيخ «زايد»، كان قد وافق على هذه العمليات الارهابية، على أن «يغمض عينا ويفتح الأخرى» كما قالت الرسالة المنقولة لـ «المالكي»!
اللافت أنه بعد ذلك لم يتوقف المخطط، واقترح ملك البحرين الحالي أن يسووا معارضة لنظام الحكم القطري، وبحسب وصفه «معارضة صورية» وقد رصد لها ما يساوي مليون ريال قطري، لبداية المهمة!
السؤال المهم
لقد جاءت الحلقة الثانية تحمل إجابة على السؤال المهم الذي طرح نفسه على المشاهدين بعد الحلقة الأولى، ما هو سر انزعاج مثلث المؤامرة من الحكم الجديد في قطر؟ فلم تكن قناة الجزيرة قد أطلقت بعد، ولم تكن البلاد قد شهدت نهضة كما هو الحال الآن، ولم يكن لها حضورها المعتبر في الساحة الدولية، كما أن الربيع العربي لم يكن قد وقع فتنحاز له الدوحة ولم تخشاه في وقت أصاب جماعات الحكم في هذه الدول بالرعب منه، فكانت خطة القضاء عليه!
الأمير الوالد (الجد الآن) فطن إلى المراد، فالمخطط يهدف إلى سيطرة السعودية على قطر، وأن تكون جزءاً منها، والسفير الأمريكي في الدوحة في هذه الفترة قال كلاماً قريباً من هذا؛ فالأمر أكبر من انقلاب يستبدل أميرا بأمير، فهناك قناعة لدا هذه الدول بأن استقلال قطر غير مقبول! ومما قاله السفير الأمريكي أن المخطط كان يستهدف قتل كل قيادات السلطة القطرية!
وعندما تأتي هذه الدول الآن لتتحدث عن أن من أسباب أزمتها مع قطر أنها تتدخل في شؤون الدول الأخرى، فلابد من القول: «انظر من يتكلم»؟!
ومهما يكن، فالدافع إلى الانقلاب الآن أكبر، ولم يكن غريباً، إذن، أن تعيد هذه الدول التفكير من جديد في الاطاحة بالسلطة القطرية، رغم أن العلاقات كانت تبدو أنها على ما يرام، ويبدو أن التفكير لم يتوقف أبدا، واستمر العقل الحاقد يبحث عن اللحظة المناسبة، وكل المطالب كانت مجرد لافتعال أزمة تبرر الجريمة. ويبدو أن البرنامج أوجع القوم، فتحركت قناة «العربية» لتلفت الانتباه بعيداً، بحوار باهت، مع من يتم اعداده لمهمة الانقلاب، وفي مصر كان الأمر أكثر مسخرة!
فأحمد موسى لسان عبد الفتاح السيسي ويديه، أعطى مثالاً على المهزلة الإعلامية في أبشع صورها، فروج لأكاذيب أضحكت الثكالى، فقطر باعت الكورنيش، لحلف الناتو!
لقد عاد وزاد في بيع قطر للكورنيش وللدقة التي يلزم نفسه بها فقد ذكر أن طول كورنيش الدوحة يبلغ أربعة كيلو متر ونصف الكيلو. فلم يقل أربعة كيلو، أو خمسة، فطوله أربعة كيلو ونصف الكيلو.. دقيق جداً أحمد موسى هذا. وقد باعته قطر، لتصبح بلا كورنيش، فاته أن من يبيع التراب الوطني في القاهرة وليس في الدوحة!
لم يذكر كليم السيسي الدروس المستفادة من هذه الراوية، فما هو سر حرصه وتأكيده والإعادة والزيادة في أن قطر باعت الكورنيش؟ فهل جاءت له الرسالة وهو على الهواء، تماماً كما فعل ذات مرة، عندما ظل أكثر من عشر دقائق يهاجم من وصفه بـ «الخائن» و«العميل»، وضيفه لواء الشرطة لم يتوقف عن سؤاله: من هو؟ قلنا لنا عليه؟ من هذا الخائن العميل؟ قل لنا ونحن نشتمه معك؟ وبعد «الوصلة» قال «لا أعرفه»!
دعك من أحمد موسى، فالجهة التي توجهه رأت أن تغطي على «ما خفي أعظم» بطريقتها التي تتسم بالخيبة الثقيلة، ورداً على كشف المخطط الذي شاركت فيه مصر دون أن يكون لها في العير ولا في النفير، ومن ناحية أخرى هو تبرير عملية التفريط في الأرض المصرية، فإذا كانت قطر بما تملكه من مال تبيع كورنيشها، فهل يلام عبد الفتاح السيسي إذا باع تيران وصنافير أو أهدى ألف فدان عليهما لنجل الملك السعودي؟!
إن عرض قصة المحاولة الانقلابية الفاشلة مهم للغاية لفهم أهداف دول الحصار، ولنقف على أنها محاولة واحدة من حلقات فشل متعددة، لكن المؤامرة مستمرة!
أضف تعليقك