يحكم عبد الفتاح السيسي بالسيف، وبالقلنسوة الكهنوتية، تماماً كما كان الجنرال البائس صغير الحجم إبان الانقلاب على الثورة الفرنسية.
كان قبل أربع سنوات يعتبر أن من شروط المواطنة الصالحة ألا ينفصل الإيمان بالله عن الإيمان به وبأوهامه وهذيانه الذي تحتشد جوقة الكهنة من حوله، لتحويله إلى نصوص مقدسة، الخروج عليها يعرض صاحبه للطرد من جنة الوطن.
في أول احتفاله لليلة القدر يحضره، قال أمام حشد من علماء الأزهر "يعني ربنا هيعذب بشر يوم القيامة عشان لم يؤمنوا به؟ لا دي حاجة صعبة قوي".
ومنذ ذلك الوقت، وهو يمارس الإرهاب على محكومية بهلاوس كهنوتية، عن حواراته مع الله، مستخدماً عباراتٍ تضفي عليه قداسة وفتوحاً من عينة "كل من يثق بالله والسيسي فهو آمن"، تسنده في ذلك فيالق من المشايخ والكهنة، لا يتركون مناسبة إلا ويسبغون عليه أوصاف الرسل والعارفين، مفترسين وعي المواطن المغلوب على أمره، بشطحات وتخرصات تربط بينه وبين العناية الإلهية.
ينظر السيسي، وكهنته، إلى المصريين كما كان يفعل اليابانيون القدماء للفتيات الصغيرات، يضعون أقدامهن في أحذية حديدية، كي لا تكبر القدم، لأنهم كانوا يرون الجمال والحسن في الأقدام الصغيرة، وكانوا يربطون أقدامهن في سلاسل من حديد، كي لا تكون خطواتهن واسعة، والنتيجة أن الأحذية والسلاسل أدت إلى فقدان الأقدام وظيفتها الأساسية، وهي حمل الجسم والمحافظة على اتزانه والقدرة على المسير.
ما كان يفعله اليابانيون القدماء في أقدام البنات يفعلونه في أفئدة المصريين، يضعونها في أحذية الخرافة الثقيلة، ويربطون عقولهم في سلاسل غليظة، كي لا تتسع الرؤية، وينمو التفكير والفهم، فيضمنون السيطرة عليه بحواديت أهل الشر وحكايات الغول الخارجي الذي سينقضّ عليهم، ويأكلهم لو خرجوا من ربقة الأساطير، وهذا الغول كان قناة الجزيرة والقنوات ذات الخطاب المضاد للهلوسة الإعلامية داخل البلاد.. الآن صار الغول هو "بي بي سي" و"نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست"، وكل صحيفة أو قناة تقدم رواية أخرى عن الحالة المصرية، تخالف منتجات الأكاذيب والتخاريف التي تغرق بها ماكينة الاستبداد الإعلامية المواطن المصري.
يضيف السيسي، الآن، إلى قائمة المحرمات انتقاد الجيش والشرطة، ويرى في الاعتراض على الفظائع والانتهاكات ضد المواطنين العاديين كفراً وإلحاداً بالوطن، خيانة عظمى كما تحدث بالأمس، ليصبح مطلوباً من المصريين أن يقدسوا الجيش والشرطة، كما كان يفعل عبدة الأصنام مع اللات والعزّى، من يقترب منهما يستحق أشد العقاب واللعنات والقتل على صليب الوطنية الملوثة.
وفي الطريق إلى ذلك، تهدم سلطة الجنرال كل ملامح الدولة الحديثة، فيصير الحاكم الفرد الأحد هو المصدر الرئيسي والوحيد للتشريع، فيصبح ما يصدر عنه من ثرثرةٍ وسفسطةٍ مشروعات قوانين ونصوص قرارات سيادية، مثل ذلك القرار الذي يهين النيابة العامة، بتشغيلها في وظيفة البصاصين والعسس وكتبة التقارير، لتقوم بمهمة مباحث المصنفات وشرطة الإعلام، تراقب وترصد كل كلمةٍ يشتبه في أن تكون كفراً بهذيان الجنرال وسلطته. وهنا تصير نكتة "أهل الشر" نصاً مقدساً في تعاليم الجنرال الكاهن، ويتحول رئيس النيابة إلى "ناضورجي"، يراقب النوافذ الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، ويرصد من يبدي إعجاباً بمقالٍ أو منشور على "فيسبوك"، أو تغريدة على "تويتر"، ويأمر بضبط وإحضار ومعاقبة كل من يقرأ غير ما يكتبه الكهنة، ويعيد نشر ما ينطق به الأشرار، الذين هم كل من يبحثون عن روايةٍ معقولة، في مصادر إعلامية أخرى، غير التي تسبح بحمد الجنرال من شروق الشمس حتى غروبها.
هنا يقفزون بالاستبداد والطغيان والفاشية إلى مستوىً أكبر بكثير مما عرفه التاريخ مع "الحاكم بأمر الله" وقانون الغستابو النازي، فمع "قانون زبيدة" المتضمن في قرار النائب العام بتكليف النيابة بمتابعة ما ينشر واعتبار كل مختلف من أهل الشر، تصير كوريا الشمالية فتاةً رقيقة ومهذبة، إذا ما قورنت بمصر السيسية العسكرية الكهنوتية العتيدة.
أضف تعليقك