• الصلاة القادمة

    العشاء 17:29

 
news Image
منذ ثانية واحدة

«النكتة» هي سلاح أهل مصر في المحن، ولا أعتقد أن مصر شهدت في تاريخها الحديث، مرحلة أنتج فيها المصريون هذه الكمية من النكات، ومنذ هزيمة يونيو- حزيران 1967، فقد استقبل المصريون الجيش العائد من الهزيمة بوابل من النكات المؤلمة، كانت تعبر عن المرارة التي يشعرون بها، إلى الحد الذي طالب فيه عبد الناصر من المصريين التوقف عن ذلك وعن السخرية من الجيش!

وعندما سمع المصريون رئيس وزراء إسرائيل «بنيامين نتنياهو»، يزف لشعبه خبر إعلان توقيع عقد تصدير الغاز إلى مصر، كانت «النكتة» حاضرة، لتعبر عن عبثية الموقف، فقد سئل مسؤول حكومي - كما تقول النكتة - لماذا لم تستوردوا الغاز من قطر؟ فكان جوابه: لأن قطر عملية لإسرائيل!

فلا يخفى على أحد أن النظام العسكري، ومنذ عهد مبارك وإلى الآن، عندما يشن غاراته على قطر، فإنه يربط بينها وبين إسرائيل، وعلى نحو يؤكد أن هذا النظام يقف على «خط النار» في مواجهة «العدو الصهيوني»، وكأن المحروسة تعيش في زمن «خلّي السلاح صاحي»، رغم علاقة التبعية التي تربط حكم العسكر بإسرائيل، سواء في ظل حكم مبارك (كنزهم الاستراتيجي) أو في ظل حكم عبد الفتاح السيسي، الذي تفوق على الرئيس المخلوع، في هذا الانحياز للإسرائيليين، ولم يعد الأمر يستدعي قراءة ما بين السطور، كما كنا نفعل عقب الانقلاب العسكري مباشرة!

صفقة استيراد الغاز، تأتي في سياق المهمة التي كلف بها عبد الفتاح السيسي نفسه، وهو أن يكون رجل القوم في القاهرة، وهي تأتي في سياق التفريط في «تيران وصنافير»، والتنازل عن حصة مصر التاريخية من مياه النيل، وهو السياق الطبيعي، الذي أكمل فيه السيسي المهمة التي بدأها المخلوع، بإعادة ترسيم الحدود البحرية، والتي نتج عنها تنازل مصر عن ثلاثة حقول للبترول، أحد هذه الآبار الثلاثة، هو الذي ستبيع منه إسرائيل الغاز لمصر، على قاعدة: «من دقنه وافتله»، وهو الترسيم الذي بدأ في سنة 2003، واعتمده السيسي بعد ثلاثة عشر عاماً، وسط «زفة بلدي» عن تحديه لتركيا هناك، مع أن مشكلة تركيا هي مع قبرص، وليست مع مصر!

بيد أن الهدف من «الزفة»، هو تمرير فعل التفريط في مقدرات مصر، لصالح لإسرائيل، كثمن للحفاظ على شرعية قائد الانقلاب العسكري، تماما كما فعل بالتفريط في التراب الوطني، فليس صحيحاً أن تنازله عن الجزيرتين كان مقابل «الرز السعودي»، صحيح أن التنازل أفاد ولي العهد، لاستخدامه في تمرير جلوسه على الكرسي الملكي، لكن الحقيقة أنه تم خدمة لإسرائيل، وخدمة لأمنها القومي من هذه النقطة، فلا تنسى أن عبد الناصر أغلق المضايق باعتبارها مياهاً مصرية، لا يجوز لإسرائيل أن تستخدمها في عبور الأسلحة إليها، فقضى «خليفته في الملاعب»، على هذا الامتياز المصري بهذا التنازل!

وقد عدنا وزدنا في السر وراء توقيع السيسي على اتفاقية المبادئ الخاصة بسد النهضة، والتي منحت الجانب الأثيوبي موافقة مصرية على بناء السد، بدون قيد أو شرط، وبدون ضمان قطرة مياه واحدة لمصر، وهو الآن مستمر في التواطؤ مع الأثيوبيين حتى يتم الانتهاء من بناء سد النهضة، وعندئذ تحدث الأزمة، فيلجأ إلى السيناريو المستهدف وهو وساطة إسرائيل، فيكون شرط وصول المياه إلى مصر، أن تمر منها إلى إسرائيل!

لأنه الإثم، فلم يشأ السيسي أن يطلع المصريين على صفقة استيراد الغاز، التي علموا بها من «نتنياهو» فكانت دعاية لجانه الإلكترونية تستنكر أن يصدق الشعب المصري ما يقوله رئيس حكومة إسرائيل، ونشر موقع «الأهرام» على لسان مسؤول مصري لم يسمِه، نفياً لوجود هذا الاتفاق، فقد ظنوا أن بإمكانهم أن يستروا العورات التي تبدت للناظرين، بطرف ثيابهم!

ولأن عملية التغطية فشلت، فقد تم الانتقال إلى التضليل، بإعلان السيسي أنه لا يوجد لديه ما يخفيه في صفقة الغاز، التي قال إن من قام بها هو القطاع الخاص، لا الحكومة، ثم ذهب يفخر بها وكأنها إنجاز سيعود على مصر بالخير الوفير، وكما لو كانت إحدى إنجازاته العملاقة، فقد قال إن مصر أحزرت بها «جول كبير جدا»، دون أن يذكر صاحب المرمى الذي أحرزت فيه المحروسة هذا الهدف الجبار؟!

السيسي لم يوضح، وترك الأمر للجانه وأذرعه الإعلامية، التي قالت إن المحروسة أحرزت هدفاً في مرمى أردوغان، وبما يوحي بأن «عين» الرئيس التركي كانت تقع على هذه الصفقة، فتصرف زعيمهم «الدكر» على قاعدة يفوز باللذات كل مغامر!

بعيداً عن تصريح «الجول» لم نسمع صوتاً حكومياً، فقد سكتت الحكومة ونطقت اللجان الإلكترونية، التي أكدت أن الصفقة أقدمت عليها مصر بهدف تنازل إسرائيل عن التعويض الذي قُضى لها به والذي يقترب من ملياري دولار، نتيجة إلغاء صفقة سابقة بتصدير الغاز المصري للكيان الإسرائيلي، ليقودنا هذا إلى جريمة وطنية ترتكب مع سبق الإصرار والترصد!

فالقضية التي تم القضاء فيها بالتعويض ليست هي القضية الوحيدة، فهناك عدة قضايا عندما يتم الانتهاء منها ستكون مصر مطالبة بدفع عشرين مليار دولار لإسرائيل بسبب قرار وقف صفقة التصدير، وهو تعويض على الدولة المصرية، في حين أن الشركة التي كانت تقوم بتصدير الغاز هي شركة قطاع خاص، تماماً كما أن الشركة التي تقوم باستيراده في هذه الصفقة هي شركة مملوكة للقطاع الخاص أيضا، فكون الشركة التي تتعامل مع الجانب الإسرائيلي ليست حكومية لم يمنع الحكومة من أن تكون هي الطرف، ولعل هذا يقودنا إلى تساؤل مهم:

على أي أساس اختصمت الحكومة الإسرائيلية، ضد الدولة المصرية، وهي ليست طرفاً في صفقة تصدير الغاز، وهل خسارة القضية الأولى نتيجة تقصير متعمد من قبل النظام الحاكم في الدفاع عن مصر؟، وإن كان السيسي لن يدفع هذه التعويضات ولن تطلبها إسرائيل منه، فالتعويضات ستعلق لتحد من استقلال الدولة المصرية، إذا نجح المصريون في إجبار العسكر للعودة إلى الثكنات؟!

لقد تبين أن ما يتم الترويج له، من أن الصفقة الجديدة للغاز، هي بهدف تنازل إسرائيل عن هذا التعويض الكبير، ليس صحيحاً، وجاء النفي من قبل مسؤولين إسرائيليين على النحو الذي نقلته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، فليس فقط أن عقد التصدير لم يشترط تنازل إسرائيل عن التعويض، ولكن لأن الصفقة لم تتطرق إلى ذلك، ولو من باب النقاش، بشكل يكشف أن الصفقة مقصودة لذاتها!

لقد قال عبد الفتاح السيسي، وهو يزف البشارة إلى شعبه، بأنه سيتم تسييل الغاز في مصر، وتصديره للدول الأوربية، وفضلاً عن أن الشركة قطاع خاص، فلا شيء سيعود على المصريين، سوى بالسلب من جراء أن قيمة الصفقة ستكون بالدولار، مما سيؤثر على مركز الجنيه المصري، فإن كل الدلائل تشير إلى أن «الصفقة الملعونة»، هي للداخل، فليس صحيحا أن مصر ستحقق الاكتفاء الذاتي من حقل ظهر، كما أُعلن، لأن مصر لا تملك فيه شيئاً، على الأقل في سنوات إنتاجه الأولى، ويرجى أن يراجع في هذا خبير البترول الدكتور إبراهيم زهران!

فاللافت هنا، أنه يوجد في مصر محطتان لتسييل الغاز، لا تملك مصر فيهما سوى 25 في المئة، والباقي ملكية أجنبية، ومن إسبانيا إلى فرنسا مرورًا بالصين، والمعنى هنا أنه إذا اعتبرنا أن الاقتصاد الوطني يمكن أن يستفيد من سعر التسييل، فإن ربح الصفقة كله قد لا يكفي أجوراً للعاملين المتعطلين منذ سنوات، حيث أن المحطتين جرى إغلاقهما بسبب عدم وجود الغاز المراد تسييله في الفترة الماضية.

وعلى ذكر إبراهيم زهران، فقد تقدم ببلاغ للنائب العام قبل ثلاث سنوات، ضد التفريط في ثلاثة حقول للبترول بسبب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، بما مكن إسرائيل من الاستيلاء عليهم، وقد تم اغتيال النائب العام بعدها، ولم يجر فتح التحقيق في البلاغ، بما يعني أنه قد يحفظ إدارياً، فالمعنى أن السلطة، متواطئة لتمكين إسرائيل من نهب الغاز المصري، والقيام بشرائه منها بأغلى من الأسعار العالمية، تماما كما تم التواطؤ للتعاقد على صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي، بما يعود بالفائدة على المواطن هناك، كما قال «بنيامين نتنياهو»، واعتبر السيسي الصفقة هدفاً لمصر، وعلى أساس أن ما بينه وبين نتنياهو مصير مشترك!

كل هذا وقطر هي العميلة لإسرائيل!

أضف تعليقك