• الصلاة القادمة

    العشاء 17:29

 
news Image
منذ ثانية واحدة

على مدى الأسبوع الماضي كانت قضية استيراد مصر للغاز من إسرائيل هي محور الجدل والنقاش والذي تركز في أغلبه عن الجدوى الاقتصادية التي روج أنصار ومؤيدو عبد الفتاح السيسي لها، بعدما أخبرهم أننا "جبنا جون يا مصريين"، الأمر الذي دعاهم إلى الترويج لجملة من المغالطات عن هذه الصفقة متهرب.

وعلى الرغم من أنه بالنظر للصورة الكلية والاطلاع على شهادات وإفادات أهل الاختصاص، فإن الجدوى الاقتصادية المزعومة لن تتحقق بالطريقة التي يروجون لها، إلا أن ثمة زوايا أخرى غابت عن كثير من النقاش بعضها يتعلق بجوهر قضية استيراد الغاز من إسرائيل بعقد تبلغ قيمته 15 مليار دولار، تنفق على راحة وترف مواطن دولة الاحتلال الإسرائيلي بحسب رئيس وزرائها نيتنياهو الذي اعتبر يوم توقيع الصفقة "يوم عيد".

برأيي أن من أهم ما غاب عن كثير من حالات النقاش والجدل وخاصة في محاججة من يؤيدون تلك الصفقة هو تسليط الضوء على فكرة أننا نستورد غازنا الذي تم التفريط فيه مرتين لصالح إسرائيل، مرة عبر بيعه بثمن بخس حينما وقعت الحكومة المصرية اتفاقية لتصدير الغاز إلي إسرائيل في عام 2005 بعقود طويلة الأجل تتراوح ما بين 15 و 20 عام بأسعار تقترب من 2 دولار للمليون وحدة حرارية أو أقل وهو أقل من السعر العالمي حينها، ثم دافعت عن هذا القرار إعلاميا وسياسيا وقضائيا لدرجة أنها طعنت على حكم محكمة القضاء الإداري الشهير بوقف تصدير الغاز لإسرائيل وهو الحكم الذي فند وكشف عوار الاتفاقية وكأنها حكومة تدافع عن مصالح المواطن الإسرائيلي ومستقبله وليس المواطن المصري، لتستأنف بعد ذلك عملية التصدير دون أي معوقات، الأمر الذي كان يعني مزيد من استنزاف مصادر طاقتنا بثمن بخس.

وبعد تزايد الهجمات من قبل "الملثم" المجهول على أنبوب الغاز في سيناء المؤدي إلى إسرائيل بعد الثورة، توقف تصدير الغاز إلى إسرائيل لتتجه إسرائيل فورا إلى التحكيم الدولي الذي قضى لها بتعويض يقارب 1.7 مليار دولار استخدمته بعد ذلك في مساومة مصر على تنفيذ الصفقة الأخيرة وكذلك الشروع في ترسيم الحدود البحرية. وكان هذا هو الوجه الأول الغائب عن أنصار السيسي ومناقشيهم والمتعلق بالتفريط المسبق والمتعمد في الثروة تحت سمع وبصر كل الأجهزة المعنية وعبر حسين سالم ضابط المخابرات السابق.

أما الوجه الثاني فهو قضية ترسيم الحدود البحرية والتي تمثل فصلا آخر من التفريط المتعمد الذي قد يرتقي حد خيانة الأمانة، ففي فبراير عام 2003 وقعت مصر مع قبرص اتفاقية ترسيم حدود أضاعت على مصر حقوق اقتصادية في مياه البحر الشرق المتوسط يقدرها بعض الخبراء بمليارات الدولارات وسمح هذا الترسيم بعد ذلك لإسرائيل أن توقع اتفاقية ترسيم حدود مع قبرص واتفاقيات شراكة اقتصادية في مياه البحر المتوسط أدت بعد ذلك لحصولها على اثنان من أكبر حقول الغاز في البحر المتوسط في تواطئ سهلت له الحكومات المصرية تحت إشراف حسني مبارك أو تواطأت معه.

وبرأيي أن ما جرى كان تواطأ، فالقيادات التالية في مرحلة ما بعد الانقلاب والتي كانت أذرعا لمبارك لم تحاول استرداد ما سرق أو إيقاف السرقة ومحاولة إيجاد حل له، بل ذهب السيسي ليوقع اتفاق ثلاثي لتعيين وترسيم الحدود بين قبرص واليونان ومصر أضاع فيه جزء آخر من حقوق مصر المائية فضلا عن جزيرة تشيوس المصرية والتي أصبحت ملك اليونان الآن في مشهد يشبه تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ومن ثم فإن الوجه الثاني لجوهر قضية استيراد الغاز من إسرائيل والواجب مناقشته هو التفريط في الحدود والحقوق والاقتصادية البحرية.

أما الوجه التالي فهو حالة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية والمتعمقة مع دولة كانت محتلة لنا ولا تخفي أطماعها في الأراضي الفلسطينية وربما العربية الأخرى، وكانت تعتبر مبارك الذي قامت الثورة عليه كنزا استراتيجيا، ويكشف القانون الذي فصلته الحكومة ومرره البرلمان ووقع عليه السيسي بالسماح للشركات الخاصة باستيراد الغاز، أن حجة عدم وجود علاقة للحكومة المصرية أو الدولة المصرية باستيراد الغاز هي حجة بليدة غير ذات معنى، فالقانون مفصل لشركة علاء عرفة والمفاوضات تجري من قبل إقرار القانون، فضلا أن هذه الحجة استخدمت سابقا حينما صدرنا الغاز قبل ذلك عن طريقة شركة حسين سالم، ومن ثم يغفل أنصار السيسي أن دولة لديها أطماع في أراضي عربية وتحتل أراضي أخرى ستصبح مرتبطة بك وسيكون التطبيع استراتيجيا وجوهريا بما يخالف كل القيم السياسية ومحددات الأمن القومي للعقيدة المصرية، جيشا وشعبا.

لذا فإن قصر مناقشة قضية الغاز على حدود السعر العادل فقط، وتشغيل محطات الإسالة هو جدل لا يطرح الأسئلة الرئيسية في كيف نقبل أن نستورد غازنا المسروق وكيف نتغافل عن كل هذا التفريط في حقوقنا الاقتصادية، وكيف نعتبر ذلك نصرا، خاصة أنه إذا علمنا وفق كثير من المختصين أنه لا شيء يلزم الشركة المستوردة أن تصدر هذا الغاز بل يمكن أن تبيعه للسوق المحلي الذي تتضاعف احتياجاته ولن يوفي على المدى المنظور حقل ظهر هذه الاحتياجات، ناهيك أن السعر الذي سيصل به الغاز إلي أوروبا ليس تنافسيا مع الغاز الروسي، ومن ثم فإسرائيل حلت أزمة عدم وجود محطات إسالة لديها، وصدرت الغاز وقبضت ثمنه فورا، والشركة إما ستبيعه للداخل المصري أو ستصدره بثمن أقل لتستطيع التنافس، وبالتالي حتى هذا الأمر لن يكون ناجعا بالشكل الذي روج له.

لكن على أي حالة لا غرابة على مؤيدي عبد الفتاح السيسي من ترويجهم لهذه المغالطات وإصرارهم على تجاهل الأسئلة الجوهرية عن سرقة الغاز وبيعه لنا مرة أخرى والتفريط في منتج لصالح دولة استعمارية ثم شراءه مرة أخرى منها ولا عن تفاصيل العقود الموقعة، ناهيك عن أن جمع المعلومات وكشفها يأتي من مصادر إسرائيلية وأجنبية، لا غرابة في ذلك كله، فقد صدقوا من قبل مشروع جهاز الكفتة ومشاريع قناة السويس والمليون فدان وطائرات الرفال وغيرها من الأكاذيب.

 

 

 

أضف تعليقك